عرض مشاركة واحدة
  #6 (permalink)  
قديم 06-05-2011, 04:14
الصورة الرمزية آخر
آخر آخر غير متصل
ودنى من هاويةٍ وتدلّى !
 
بداياتي : Jan 2008
الـ وطن : الكويت
المشاركات: 52
تقييم المستوى: 17
آخر is on a distinguished road
افتراضي الوجه والفرشاة !




وجه المرأة لهُ أكثرُ من معنى .
وجه صامت ليسَ فيه ما يُشير إلى الإثارة . و وجه كله إثارة وأنوثة يدعوك دون الحاجة للصوت لتهتم به . ووجهٌ غامض ، حائر ، يعيش الضياع ، لا يبوح بما لديه رغم التقاسيم التي تبدو ، حول العيون وعند أطراف الشفاه وتحت الذقن ، كلها تبيح بما لا يراد له البوح . ووجهٌ . تعجز عن تحديد ملامحه ، رغم الصورة الجميلة المؤطرة بما تحب المرأة من إضافة للوجه ، لكن لا تستطيع تحديد ملامحه . عينان حلوتان والكحل يزيدهم جمالاً وقوة ، عينان لو أطلقا على صقر لهوى من أعالي السّماء . وأنفٌ عربي ليسَ مستدق ولا عريض ، عربي الملامح يحمل كل الشموخ ، لا يلين رغم الحاجة ، لا ينهزم رغم مر المعارك ، لا يذل والحزن يسربله سنوات طوال .

بعد هذهِ التصورات اسأل نفسي كيف ارسم وجهها ؟ كيف ؟
جلستُ أمام لوحة بيضاء ، بكر لم تمس بعد ، إطار خشبي وقماش مشدود على الإطار ، الألوان جاهزة فوق لوح الرسم ، الفرش المُتعددة ، الصغيرة والكبيرة ، والدقيقة جداً على يميني . اسألُ كيف أبدأ ؟

خطيت بقلم الرصاص ، حاولتُ أن أحدد كل الأشياء بدقة لكن هل أنا رأيتُ ذلك الوجه ؟ ……أبداً . هل قابلت تلك المرأة ؟ …… أبداً .
إذاً كيف أرسم إنسانة لم أقابلها . أو ربّما لن أقابلها .
أكملت الدائرة حددت ملامح الوجه من الصوت . وسألتُ أي صوت ؟
أنا لم اسمع صوتها لم أعرف حتّى إذا كان لها صوت . إذاً كيف أُحدد تلك الملامح ؟
رسمتُ العينين الذكيتين ، والشَعر ، هل هو طويل ، قصير ، ناعم ، مجعد ، اسود ، كستنائي ، أشقر ؟؟ . أنا لا أحب الأسود أو الّذي يميل إلى البني الغامق . إذاً سأضعُ اللون الّذي أتصوره من خيالي .

غرست الفرشاة بهدوء وتوجس في اللون الأحمر أضفتُ عليه لوناً أسود ولوناً أصفر قليلاً جدّاً . مزجتُ الألوان مسحتُ بالفرشاة على اللوحة ، اسحبُ الفرشاة العريضة ، اسحبُ ألماً من الداخل ، أجرّ الحُزن ...
أضفتُ لوناً والمزيد من اللون .
احترق أود أن تكتمل هذهِ الصورة ، في أسرع وقت ممكن . أود أن أعرف هذهِ الملامح ، كيف ستكون في النهاية .
غرستُ الفرشاة في اللون ، والتساؤل يجرّ تساؤلاً آخر. هيَ من تكون ؟
أكملت الملامح العامة .

بدأتُ في المرحلة الأصعب الألوان وضعتها على اللوح . القماش لم يعد بكراً صار وجه امرأة . امرأة بلا ملامح .
كيف أُحدد ملامح امرأة لم أقابلها ؟؟
ولو قابلتها كيف ستكون المقابلة ؟؟
هل تقبلني أخاً ؟؟
كيف ؟؟؟؟؟
هل من الممكن إقناع العالم إنَّ امرأة ورجل غريبان تقابلا وأصبحا إخوة .
نعم ، هذ مُمكن حين يكون اللقاء عبر لوحة .
إذاً هي الآن أمامي ، امرأة عيونها جميلة شعرها الأسود المائل إلى البني .
انفها الشامخ لطفاً وكرامة . وشفتها صامتة .
وضعتُ اصغر الفرش في يدي . حاولت أن انطق الشفاه .
تكلمي أرجوك تكلمي . أنا كلي آذان صاغية أرجوك قولي ماذا في هذا القلب المُتعب ؟ هل أنتِ امرأة ؟
كيف اسأل هل أنتِ امرأة ، أم مُجرّد صورة امرأة .
هل لازلتِ تعيشين أم كونكِ تعيشين فأنتِ تعيشين ؟
هل أنا أستطيع أن احمل كل هذا الهم الّذي تحملينه أو تعتقدين إنّني انتهازي اصطاد في الماء العكر ؟
ماذا يا صورتي . يا أختِ . سترسمين وجهي لو قدر لكِ و أمسكتِ هذهِ الفرشاة وهذهِ اللوحة ؟
هل تتصورين إنّني وسيم أم قبيح . انتهازي أم رجل مواقف ؟! . كيف ابحثُ عن أجوبة والشفاه لا زالت مُطبقة ؟

انطقي ، ليتني أُجيد حوار الصمت . إشارات العيون . ألوان الوجوه .
أضعُ قليلاً من اللون الأحمر الغامق تحت ، تحت نهاية الشفة السفلى ، وقليلاً من اللون الأحمر الفاتح فوق أعلى الشفة العلوية ، أضعُ قليلاً جداً من اللون الأبيض فقط لمسات صغيرة . تصير الشفة ساطعة مُشرقة لكن لم أجد البسمة .
الصمت يُحاصر صورتي .
هذهِ المرأة مقتولة بالصمت .
في لحظات أراها تود أن تبوح بما فيها لكنها سرعان ما ترتد ، هل التجربة كانت مُرة ؟؟
هل اغتيلت كرامتها يوماً ؟ ، هل خانها صديق أو قريب ؟ ، هل قتلها زوج دون قتل ؟؟ ، انطقي فأنا آذان صاغية …

أغمسُ الفرشاة ..
هذهِ المرّة فرشاتي الناعمة العريضة ، أضعها في اللون الأحمر و أُضيف عليه لوناً أبيض ثم قليلاً من اللون الأزرق ، واخلط الجميع تتحول الألوان بعد المزج إلى لون وردياً . أُحاول أن أضع لمسات على الخدين . ترفضُ الصورة / اللوحة أن أضعُ احمراً على الخدين . أُحاول ! ... ترفض ، أهزّ اللوحة تصيح بلا صوت ! ، أرجوك لا تضع شيء غير حقيقي ، أرجوك ، اهتز من الداخل .
صوتها يُحاصرني بلا صوت .
أُحاول مرّة أُخرى ترفض تهرب مني ألحقها ، أرجوك أرجوك ، أود أن أراكِ وردية الخدين مُبتسمة الثغر فرحة . نظرت لي نظرة الحكمة الشفقة ، الحُزن . وجدتها تصر بأسنانها ، تُحاول أن تقتل الكلمات في جوفها . لا تود بل لا تريد أن تبوح …
ودون تحكم في الأعصاب أصرخ . من أنتِ ؟ من أين أتيتِ ؟
هل ، هل ، هل ؟
وانتبه إنّني اصرخُ لوحدي . وإنَّ التي أمامي لوحة قماش وإطار .
أعود أضع الفرشاة على لوح الألوان ، أبحثُ عن شيءٌ ما ، لا أعرف ما هو أدور دورة كاملة حولي وأنا جالسٌ مكاني مثل الأعمى ، أنظرُ من جديد .
يا لوحتِ من أنتِ ولماذا لا صوت لا بسمة ، لا ، لا ، لا ...
أغمض عيناي ، أُريد أن اقرأ ما بداخلي .
أُحاول أن أرَ السواد ، الظلام ، الألوان ماهيَ ؟
الألوان مساحات مُختلفة في درجة الارتداد الضوئي ، الأسود ليسَ لهُ ارتداد والأبيض كامل الارتداد ، وبين الأسود والأبيض درجات الألوان المُتفاوتة
إذاً ما هو الظلام ؟
الظلام ، الظلام ...
ويأتي الصوت ، الظلام يا أخي أن لا تعرف من هو أخوك ، من هو صديقك ، من هو الّذي يُحاورك ، من هو الّذي ينفعك أو يضرك ، ما هو غدك …
فانتظرت حتّى توقف الصوت ، وضعتُ يدي على الإطار تفقدته بأناملي ، وسألتُ إذاً أن لا يعرف الإنسان شيء ؟
لا ؛ ليسَ تماماً ، ولا يوجد إنسان لا يعرف شيء ، بل اقصد أنت ، أنت لا تعرفُ شيء ...
كيف ؟
أنتَ تُحاول أن تضع اللون الّذي تحبه وليسَ اللون الّذي يجب أن يصير ليكون صادق التعبير .
نعم ، نعم ، هذ صحيح إنّني اتفقُ معك فأنا أضعُ اللون الّذي أعتقد أنّهُ اللون المُناسب ، ولا أعرف ماذا يجب أن يوضع فوق الخدود ، لا أعرف ما هو اللون الّذي تحبين ؟ ، كيف تودين لون خدودكِ . خدودي ماذا قلت خدودي ، وهل بقى لخدودي أمل ؟ وهل بقى لابتسامتي أمل ؟ وهل بقى لي أنا ، المرأة ، اللوحة . الإطار أمل ؟
لماذا ؟
ألَا تعرف ؟
لا !
ألَا تعرف إنَّ الإنسان حين يُحاور الصمت فأنّهُ قد وصل مرحلة ألَا عودة .
كيف ؟
ألَا تعرف أنّكَ تبحث عن اسم امرأة وأنا لم يبقى إلى اسمي وأنت تريده.
فكيف أعطيك الّذي تبقى ، وهل ينفع الاسم دون شيء ؟
لكني لا ابحثُ عن شيء وليسَ مقصدي شيء .
أنت ، أنت ..
تلعثمتُ ، ولاذت بالصمت من جديد .
فتحتُ عينياً نظرت إلى اللوحة ، نسيتُ إنَّ الفرشاة مملؤة باللون ، صرتُ أتفقد شعيرات الفرشاة شعرةٌ شعرةْ وأُحدثُ نفسي :
امرأة ، امرأة . كيف أعرف أنّها امرأة ، لا ، لا ربّما رجل في ثياب امرأة أو امرأة في ثياب رجل ، وأعدتُ السؤال على نفسي . ما الفرق بينَ الاثنين امرأة أو رجل ، أليسَ كلاهما إنسان ؟
وسألتني من هو الإنسان ؟
الإنسان ، الإنسان .. وعدتُ . أعدد شعيرات الفرشاة ، مرّة وثانية وثالثة
ولا زلت أعدها ………




____________________________________




قلوبنا عصافير صغيرة، لا تدركُ ما الطيران حتّى ينتفوا ريشها !
  • مُحَمَّدْ مَطَرْ.


رد مع اقتباس