الموضوع: بِعينِ الله
عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 23-12-2010, 16:15
الصورة الرمزية الطُهر
الطُهر الطُهر غير متصل
.... نَوْرَسَة !
 
بداياتي : Jun 2008
الـ وطن : البحرين
المشاركات: 954
تقييم المستوى: 16
الطُهر is on a distinguished road
افتراضي بِعينِ الله

سيري ببطء، يا حياة، لكي أَراك
بِكامل النقْصَان حولي. كم نسيتكِ في
خضمٌكِ باحثا عنٌي وعنكِ. وكلَّما أدركت
سرٌا منك قلت بقسوة: ما أَجهلَكْ! *


مرّت عليّ أشهُرٌ عِجَافٌ .. ليَالِيها طِوَالٌ , التَزَمْتُ فِيها بالصَمْتِ الخانِقِ لعادَةِ تكوِينِي , وبحَثْتُ عَن نفْسِي فلَم أجِدْنِي وظَنَنْتُ أنّ السمَاءَ فتَحَت فُوّهَةً من إحدَىَ الغَيْمَاتِ وألقَت بِرِيحٍ خَطَفْت شيئَاً منِّي للأعلَىَ ! لأنّي فتّشْتُ عنْهُ طوِيلاً ولَم أجِدْهُ ..

لستُ وحْدِي مَن بحَثْتُ عنِّي .. كُلّ مَن مسّ حَبْلَ وِصَالٍ معِي فتَّشَ معِي .. ولم أكتَرِث وظَنَنْتُ لبُرْهَة أنّ كُلّ شيءٍ لا يَعْنِينِي .. جُلّ ما فكّرْتُ فِيه هُوَ أن أجِدَ ذاكَ الَّذِي خطَفَتْهُ السَمَاء منِّي كمَا خُيِّلَ إليّ .. فأن أفتقدَ نفسِي هُوَ الأكثَرُ ألماً على الإطلاق .. ولعلّ القُوَّة الَّتِي تُرَىَ في قسمَاتِ وَجْهِي و على ضفافِ حرفِي هيَ شيء مُغايِر تماماً عَن الإحساس الَّذِي يجعلُ شيئاً ما بِداخلِي يتهاوَىَ ألماً .. ويضعُفُ حتَّىَ كأنِّي أرَاهُ مُلقَاً ذابِلاً بينَ نبضِ أورِدَتِي .. يستَجْدِي قُوَّةً مِنَ السمَاءِ , ويرفُضُ شفقَةً من أهلِ الأرْضِ ..


وأسْألُ نفْسِي : لِمَ أكابِرُ حتّىَ أمام نفْسِي ؟ ولا أعْلِنُ حالاتَ الضَّعْفِ هذِهِ وأهرُبُ بعيداً حتّى عن مرآتِي كُلّما اعترَانِي حُزْنٌ ما .. هُوَ شيءٌ لا يُمكِنُ تفسِيرَهُ , أن أُرْكِنَ كُلّ الحيَاةِ في جانِبٍ مَا .. و لا يليقُ بِي إلاّ المُكابرَة في لحظَاتٍ كهَذِهِ .. ولعلّ أقصَىَ ما يُهلِكُ الرُوح أن أهْرُبَ بحُزْنِي حتّى عن عَيْنِي وعن عينِ أمّي ..


حِينمَا أجلِسُ إلى جانِبِ أشيَائِي الّتي لا تُرَىَ إلا بعينيّ .. أفكّرُ في هذهِ النّفْسِ وما يجتَمِعُ فيها من تضَادٍ غرِيب , تصعُبُ معَهُ الحيَاة في حالاتٍ كثِيرة .. ويصْعُبُ معهُ المَوْت أيْضاً ! ..و كيفَ تشتهِي النفسُ الموت ! وهل خُلقت الأمنيّاتُ لتمُوت ؟!


ولعلّ الحُلم والأمنيّات هِيَ ما يجعلُني أتمسَّكُ بالحياَةِ وأستعِيدُ قُوَايَ كُلّما لاحَ الحُلمُ طيفَاً يمدّ يدَهُ إليّ ويضمّ ضعفِي .. ويمدّني جمالُهُ بالرّغْبَةِ في الوصُولِ إليه .. الأحلامُ اليُوسفيَّة الجمَال لا تحتاجُ لنساءٍ تُقطّعنَ أصابعهُنّ للوصُولِ إليهَا فهُنّ لن يصِلْن ولن يخرُجنَ إلاّ بأصابِعَ مُقطّعة .. ولكِنّها تحتَاجُ لارتباطٍ بالله .. فكُلّ مُستحِيلٍ مع الله يكُون ..


وحينما أقُول أحلام يُوسفيّة لا أريد أن يتبادر لذهنِ القارِئ الجمال الظاهري وحدَه فجمَالُ يُوسُف الظاهِرِيّ إنّما نبَعَ من جمالِ حقيقته المُتمثّل في جمالِ رُوحِه .. والأحلام كذلِك يجب أن يكُون ظاهرها كمَا باطنها كُلّه يُؤدي للجمال .. ولعلّ سمُوّ الأحلامِ هُوَ السبيل الأوحَد لتخُلّدَ حتّىّ تُحالُ لواقِع .. لذلِك تمُوتُ الأمنيَّاتُ المشبعة بهوَىَ النّفْس في لحظَةِ قُوّة , وتبقَىَ الأحلامُ التي لها عمدٌ إيمانِي يدعمُها و دِسَار قويّ ينتظمها ..


في ليالِي الأشهُر الماضيَة كانَ الحُزنُ سرمَدِيَّاً , والبحثُ في أغوارِ الرُوح طال , والتأمّل في محطاتِ الحيَاةِ طالَ أيْضاً ولا شيءَ قصُرَ حينذَاك إلاّ الوقت والعُمر .. فأفكّر هل تُراني أجحِفُ في حقّ نفسِي وعُمري ؟ وأدركتُ بعدَ حِين أنّ حالات الحُزن الّتي تُولّد من الابتلاء إنّما هِيَ طريقٌ لإدراكِ الحيَاة .. معْنَىَ الحيَاة .. كُنه الحيَاة .. الّتي ستُغيّبُ عنها أجسادنا في لحظَةٍ ما ونحنُ لم نُدرِك كُنهها لولا الابتلاءات الّتي قد يكُون ظاهرها وجعاً وباطنها سبيلاً للحياة كُلّ الحياة ..


فكّرْتُ أيْضاً في استِدارَةِ الحياةِ كحلقَة تدُورُ أمامَ ناظِرَي الإنسَان وفيها حلقاتٌ صغيرة غِير واضِحة المعالِم .. كُلَّما استدَارَت الحيَاة أكثَر .. وامتلأت أيَّامُ الفردِ بالتَّجارِبِ وذاقَ الابتلاءات زادَ وضُوحُ الحلقَات الصَغِيرَة .. وكُلّما زادَ وضُوح الحلقات الصغِيرة أدركنَا ماهيَّة الحلقَة الكبِيرة .. فيما لو كانَت قلادَة تُعلَّقُ على عُنُقِ السمَاء .. أو مسبَحَة تُزيّن في يدِ شابٍّ مُؤمِن .. أو خِلخَال يُزيّن رُجل راقِصَة أو ..! .. فنواحي جماليّة الحياة تختلفُ من عينٍ لأخرَىَ .. وحتّى نواحِي إدراك ماهيّة الحياة تختلف من عقليّة لأخرَىَ .. فما هِيَ الحيَاة ! ولِمَ ؟!


وفكّرْتُ أيضاً في الناس باختلافِ أجناسِهِم وعقائِدِهم وميُولِهِم وهويّاتِهِم .. في العلاقاتِ .. كَيْفَ يُصْبِح من المُمكِنِ أن تنْتَهِي بابتسَامَةِ ودَاع , أو لحظَة غضَب , أو وسوَسَة شَيْطَان , أو شهقَة مَوْت .. المُهمّ في كُلّ ذلِك أنّها تنتهِي بسهُولَة , وإثبات الشيء لا ينفي ما عدَاه !


مَوطِنُ الجسَد البَلَد , ومَوْطِنُ الرُوح الجسَد , والرُوحُ مَوطِنُ الأوطَانِ ||| .. فكَّرْتُ في حجْمِ التضْحِيَات الّتي يُقدّمُها الإنسَان في سبيل أشياء مُعيّنة .. كالتضحِيَة من أجْلِ الوطَن .. والأوطَانُ ثلاثَة كما أرى , مَوطِنُ الجسَد .. ومَوطِنُ الرّوح , ومَوطِنُ الأوطَان . أمّا الأوّل وهُوَ البلد فحُبّهُ من الإيمَان والتضحِيَة في سبيله دِينٌ و واجِب .. ولكِن ماذا لَو خانَنا الوطَن ؟ فهَل يعُودُ للوطَن في منزِلِ القلبِ موطِناً بعدَ أن جعلَ افراداً يتوسّدُونَ الخذلانَ ويتدثّرُون بالدمع ؟ وأمّا الثاني فهُوَ الجسَد .. وكم هِيَ التضْحِيَات الّتي يبذلها الفردُ لإشباعِ حاجاتِ الجسَد .. وماذا بعد ؟! , وأمّا الثالثُ فهُوَ الرُوح .. أقدسُ ما يملكُهُ الإنسَان ويُضحّي بأشياء تمِيلَ لهَا النفس من أجلِ أن يُحافظ على قداسةِ وطُهرِ هذه الرُوح .. فأمّا الأخير فجديرٌ بنا أن نُضحّي بكُلّ شيءٍ من أجلِ الحفاظ على قداستِه ..

ولمَ نحيَىَ ؟ هل لأنّنا مُجبرُون على الحياة حتّى تحينَ لحظَةُ الموتِ ؟ أو هل لنحقّقَ غاياتنا ؟ أو هل لنُرضِي رغبات أجسادنا ؟ أو هل لنُضحّي من أجل أوطاننا ؟ أو هل لنُجاهِدَ أنفُسنَا ونُحافظ على قداسَة الرُوح ؟ لمَ ..


هل عمّرْنا الأرْضَ ؟ هل أفسدناها بذاتِ الأيدي الّتي خلقها اللهُ ؟ ان عمّرنا فنحنُ مُصلحُون وإن أفسدنا فنحنُ مُفسدُون .. ماذا لو لم نفعَل شيئاً من سنكُون حينها ؟! عابِرُون ؟!

وحدَهُ الله يعلَمُ النوايا .. و حقائق الأمُور , وخفايا الأنفُس , وما تُخفي الصُدُور .. إنّ الَّذِي يمدّنا بالقُوَّة هُوَ المِحَن الَّتِي تعصِفُ بحياتنا .. وتُودِي بِنا في قعْرِ الحُزْن .. و إنّ أكثَر ما يُهوِّن مصَائِب الدُّنيَا وابتلاءَاتها أنَّها بِعَيْنِ الله ولا تخفَىَ على الله خافيَة.


إنّ كُلّ ما كُتِبَ في الأعلَىَ جزء من هواجِسُ عِشْتَها .. وفكّرْتُ فيها .. ولعلّ الألَم هُوَ أكثَرُ الأشيَاء قُدْرَة على إحيَاءِ وظَائِف حواسّ مُعيّنة , إنّ بعض الخواطِر الّتي تخطُر في الذِهْن نتيجة الألَم هي خواطِر يستعِيد معهَا الإنسَان قُوّاه .. الشُعراء والكُتّاب لولا الألَم ما كتَبُوا .. ||| الألَم للمُتأمِّل يخلُقُ الحِكْمَة .. والحِكْمَة هِيَ أفضَلُ ما يمنحُهُ الله للعَبْد ..


يطلّ الأنبيَاء على خاطِرِي دائِماً دائماً.. رُبما لأنّي عشتُ في تُربَة دينيّة .. ورُبمَا لأنّي من هُواة التاريخ .. ورُبما لأنّي أحبّ قصص العُظماء .. ورُبما لأنّي أحبّ الحكمة .. والحكمَة هِيَ نتاجُ ألمِ المتأمّلين .. إذاً كُلّ الأنبيَاء تألّمُوا يوماً ما .. فما هيَ آلامنا أمام آلامِ الرسالات !

أحبّ أن أكتُبَ عن جوانب مُعيّنَة .. ولكنّي لا أحبّ أن أقرأ في ذاتِ الجوانِب .. قال لي أحد الشُعراء يوماً .. تحتاجِين لأن تُحدّدِي هويّة نصُوصكِ , وكانت المرّة الأولَى الّتي يقتلعُني أحدٌ من جُذُوري الّتي أحبّ حينما قال لي ذلك الشاعر بالحرفِ لستِ بكاتبة أنتِ تكتبينَ لنفسكِ فقط ! النصُوص بلا هويّة .. وعلى كُلّ حال هُوَ مُحقّ في كلامِه .. هذا نصٌّ آخَر بلا هويَّة .. ولكنه نابضٌ بالإحساسِ والأدب.. وأنا أكتُبُ الآن للرغبة في الكتابة .. ولشهوَة تدفّق الحرف .. الّتي تعترِي لُغتي الآن ..


قَبْلَ دقائِق كُنتُ مع والدِي في طريقِ العودَة للمنزِلِ بعدَ أن أنهَيْتُ مُحاضرَاتِي .. واستحضَرْتُ هذا النصّ في قلبِي , فوجَدْتُهُ جيداً .. ليُنشَر بعدَ أن ضمّ كثِيراً من اختلاجاتٍ من الممكن أن تمدّكُم بشيءٍ من القُوَّة .. رُبما .. رُبما ! .. هذا النصّ وليدُ تجارِب عدّة أحالتنِي للعُزلَة قليلاً وللنُفُور من أشيَاء مُعيّنة قليلاً , وللشعُور بالخذلان كثيراً ..
.
.
.
امممممممم ..
امممممممممممممم ..
امممممممممممممممممم ..
.
.
.
حتّى وإن أبصَرْنا جزءاً من الحيَاةِ يبقَىَ هُناكَ جانِب ضخم مُظلِم يحتاجُ منّا أن نخطُوَ إلَيْهِ لنرَاه ...... وكلَّما أدركت سرٌا منك قلت بقسوة: ما أَجهلَكْ!



مخْرَج :
قل للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرت ... لأكملك !*
____________________________________

نجدُ الإجابة.. حين ننسى الأسئلة*
رد مع اقتباس