الموضوع: - يَومِيّات -
عرض مشاركة واحدة
  #52 (permalink)  
قديم 02-07-2009, 01:54
الصورة الرمزية الطُهر
الطُهر الطُهر غير متصل
.... نَوْرَسَة !
 
بداياتي : Jun 2008
الـ وطن : البحرين
المشاركات: 954
تقييم المستوى: 16
الطُهر is on a distinguished road
افتراضي حفل التخرّج ..





لَم تكُن رغبَتِي في اعتِلاءِ المنصّة / ومُوافقَتِي لِطلبِ الأُستَاذَة التِي وخزَتنِي مِراراً..
ولم أكُن لِأجلِسَ معَ ثلةٍ مِنَ اللّواتِي لا يَطمَئِنٌّ قلبِي لهُنّ أبداً !
ولَم أكُن لِأرُوحَ لِمكانٍ يزِيدُ مِن دقّاتِ قلبِي ويُوتّرُنِي فوقَ الحدّ المَعقُول ..
إلاّ مِن أجلِ غايَةٍ في نفسِي !

رُحتُ لِحيثُ بقِيتُ طوال ثلاث سنِين ..
لِالمكانِ الذِي لم أنتَمِي لهُ يوماً ..
لـِ مَدرَسَتِي ..

رحتُ بعدَ أن تلّقَيتُ مُكالمَة تلفُونِيَة مِن معلّمَتِي , تُنبِئُنِي بِأنّهُ قد تمّ ترشِيحِي لأكُون عرّيفَة حفل التخرج لعام 2009 ..
لا أنكُرُ استِغرَابِي بادِئَ الأمر .. حيثُ لم يتَم ترشِيحِي سابقاً لإكُون عريفَةَ أيّ حفلٍ بسيطٍ في المَدرَسَة !
فما بَالُهُنّ الآن ..يُرشحنَنِي لأهمِّ حفلٍ.. بالنِسبَة للمدرَسَة ..

طلَبتُ مِن والِدَتِي إيصَالِي لـِ المدرسَة ..
فتحتُ بابَ السيّارَة .. وأنَا لا زِلتُ أفكّر ..
وصَلتُ ..
صعَدتُ السُلّم .. الذِي يحمِلُ شيْئَاً
مِن ألمي ..
مِن ضعفِي ..

وصَلتُ لحَيثُ هُم مَوجُودِين .. ألقَيتُ التحيّة ..
جلَستُ والتَحفتُ الصَمتَ رِداءً ..
كانَ الصَفُّ أشبَهَ بِ قبرٍ ضيّق .. والهَواءُ فيهِ خانِق ..
والأترِبَةُ مُتراكِمَة ..
والغُبَارُ يعلُو الطَاوِلات..
ويُمِيتُ شيئاً مِنَ الذِكريات..


بعدَ طُولِ انتِظار ..
أقبَلَت الأستاذَة ..
تحمِلُ أوراقَاً , طلَبَت مِنّا الإلقَاء ..
لـِ تختَبِرَ قُدراتنَا , وتُدرّبنَا .. لنكُونَ على أتمّ استِعداد ..
لتختارَ المُديرة الطالبَة الأنسَب .. " كُنّا سبعَ طالبات"


عُدتُ منهَكَةَ القوَىَ ..
بعدَ أن استَمَعتُ لإلقاءِ سبعِ طالِبَات ..,
وتدرّبتُ معَ مئة وخمسة وسبعين طالبة .. استعداداً للحفلَة ..,

,
لَم تكُن لديّ القُدرة على الحفظ بشكلٍ سريع ومُيسّر ..
فقَد كُنتُ أحتاج ساعات طِوال لحفظِ أسطُرٍ قلِيلَة ..
ولكِنّ حفظَ القُرآن كانَ مُختلِفاً ..
بالرغمِ مِن أنّي لا زِلتُ اواجِه صعُوبة في الحفظ .. ولكِن بنسبَة أقل طبعاً ..
حفِظتُ ما تيسّرَ مِنَ الآيات ..
وذهَبتُ لِحضُورِ دورتين .. الأولَىَ في التَجوِيد ..
والأخرَىَ فِي فن التعَامُل ..
تعرّفتُ من خلالهِما على عددٍ لا بَأسَ بهِ مِنَ الطالِبَات ..
وخيرةِ المُعلّمَات .. حيثُ حضيتُ بِثناءٍ جميل في دراسَةِ التجوِيد ,
إذ أشَارَت الُمعلّمَة لِمَوهِبَة عظِيمَة أمتَلِكُها , وقُدرَة , وصوت , وتجوِيد ,
وحفَزتنِي على الدِراسَة ..!


رحتُ في اليَومِ التّالِي للمدرَسَة ..بعدَ أن أرسَلَت المُعلّمَة رسالة إلكترونية تطلُب فيها حضُورنا من أجلِ اللّقاءِ بالمُدِيرَة !
ذاتُ الوَجع أحِسُّ بِه .. / أوّااااه ـ لا أستَطِيعُ إلاّ تذكُّر مَن أساءَ لِي .. مِراراً ..
اتّجَهتُ للصالةِ الريَاضيّة .. المكان الذِي يحمِلُ ذكريات جمِيلَة .. / الأصبُوحة القصصيّة , والأمسيّة الشعريّة .. ولقاءاتِي الهادِئَة..!

كانت السَاعَة تُشير للثانيَة والنصف ظُهراً ..
حينَ بدَأنَا القِراءَة .. / أرَى علامات الإضطِراب على محيى جميِع الطَالِبَات
فيمَا كُنتُ أدقّقُ في قسمَاتِهِنّ .. وأبحثُ عَن نُقاطِ الضعفِ فيهِن .. وأرَى الأستاذتين .. تتحدّثَان .. ولا أخفِي أبداً فهمِي لِلأمرِ الذِي تحدّثتا عنهُ فترةً مِنَ الزمَن فيما كَانت المُديرَة تُنصِت..!

وحانَ دورِي ,
لَم أكُن مُضطرِبَةً أبداً .. بَل كُنتُ واثقَةً مِن جمالِ ما أقُومُ بِه .. وبِأنّهُ وإن لَم يكُن الأجمَل .. فهُوَ في المُستَوَىَ المَطلُوب ..!
انطَلقتُ مُرفرِفَةً بِالرغمِ مِن إحسَاسِي بِإنّ أحدَهُم يُحاوِلُ بترَ أجنِحَتِي !
ولا يُهِمُنِي أبداً .. فهُم فعلُوها مُسبَقَاً حينَ كانت السكَاكِينُ في أيديهِم ,

ابتسَمَت المُديرَة بِدورِهَا , ورأيتُ في عينَيهَا اختِيارِي , فكُنتُ مطمَئِنّة ..
الحمدُ لله أنّها أخذَت كُلّ السكاكينِ منهُم .. / وكانَت هِيَ الحكم ..!
أهدَتنِي وردَة .. حينَ ابتَسَمَت .. وقالت "ما شاء الله كل وحدة صوتها أحلى من الثانية "

كُنتُ ولازِلتُ أستَمِعُ لأصواتِهِنّ .. فيما كُنتُ مُقتَنِعَة بِجمالِي .. الذِي فرّطُوا فيهِ مِراراً ..


وبعدُ / اختَارَتنِي وطالِبَة لنكونَ عرّيفَة الحفلَة ..


عُدتُ للبَيتِ , وبِداخلِي رغبَة عمِيقَة في تمزِيقِ كُلّ الاوراق الّتِي في يدِي ,
لا لـِ شيء .. فقَط لِـ أنّهُ حينَ آلَ الأمرُ لِسواهُنّ للاختِيار كُنتُ أنَا ..
وإلاّ لَو كان الأمرُ بيدِهِنّ لما وصَلَ الأمرُ إليّ ..
أنَا أمقُتُ أن أُظلَم .. !


والعجِيبُ في الأمرِ أنّ الاتصال أيضاً لَم يكُن من رغبَة الملعّمات الفُضليات !!
بَل كان بِأمرِ المُديرة التِي طلبَت عدداً مِنَ الطالِبات .. لِإعطاءِ الفُرَص .. لعددٍ أكبر ..
فشمَلتنِي الفُرصة ..


والأعجَب مِنه أنّي لَم أفعَل شيئَاً أبداً يستحِقّ أن يتجاهلنني بهذهِ الطريقَة ..
ولكِن كما يقُولُ القائل "كلمة الحق تزعّل" ..!


وكانَ يومُ الحفل ..
تنَاسَيتُ كُلّ ما كَان ..
وتذّكرتُ رغبَتِي الأولَى التِي أعادَتنِي لـ الحيّزِ الذِي لا أحِب ..
تذّكرتُ غايتِي التِي أضمَرتُهَا في نفسِي حتَى كُشِفَت في محاجِرِ عيناي يومَ الحفل !
وتذّكرتُ أمّي ..
أمّي ..
أمّي ..
وأنّي "حُلمُها" الذِي لَن تُخفِيهِ السُحبُ السوداء .. وسيبقَىَ أبيّاً شامِخَاً يُنِيرُ دائِماً .. كشمسِ السمَاء ..
واختَرتُ أن أصمُتَ حتَىَ أصِلَ لغايَتِي ..
ومرّتَ الساعاتُ ..
وكُلّ شيءٍ حتَى الآن جمِيل .. / إلاّ بعضَ المُضايقَات المُعتادَة والتحيّزات المُستمّرَة .. ورميمِ الصدَاقات .. أعنِي .. لا يُهِمّ ما أعنِيهِ حقاً !!!
وسِوى ذلِك فكُلّ شيءٍ جمِيل ..
فالصداقاتُ الحقيقيّة جمِيلَة ..
ونظرات أختِي جمِيلة ..
وقبلاتهَا المُهداة جمِيلَة ..
ومشاعِرُ مُعلّماتِي.. جمِيلَة ..
المُديرة .. وصوتها المتحشرج الخائِفِ المُرتبِك .. جمِيلٌ رغمَ السِرّ وراءَ ارتِبَاكِهَا !

وحانَ الوقتُ لِأقِفَ على المنصّة ..
وأتحدّث ..!


بِخطواتٍ واثقة .. اتّجهت..
رفَعتُ رأسِي قليلاً ..
نظرتُ للكمّ مِن أولياءِ الأمُور .. والطالِبَات .. والعازفِين .. والمُعلّمات .. وحضُور الشَرَف .. والمُمثّلين .. والمصوّرين ..
ابتسَمتُ .. وبدأت .. !
بِقوّة .. وبنبرَةٍ لابأسَ بها تحدّثت ..
ونَظرِي يلتّفُ على جمعِ الحاضرِين .. , أتفحّصُ وجُوهَهُم .. أرانِي في نظراتِهِم .. قسمَاتِهِم ..
أرَىَ علامَات الدهشَة على أستاذتِي .. , أستاذة الأحياء ..

ولا زِلتُ كذلِك حتّى وصلتُ إلى . "والشكر إلى المعلمات اللاتي أضأن السراج لينير القلوبَ والعقول معا .. " مُوجهةً نظرِي إلَىَ مَن كانَ ضياءً لِي .. لمُعلّمَتِي .. !
فابتسَمَت , وفي ابتِسَامَتِهَا خجَلٌ ورِضاً ..

فجُلتُ بنظرِي إلى وَالِدَتِي ..وأردَفتُ قائلَةً " أمي .. هذا أنا فزغردي ..خذي قلبي .. خذي روحي .. فلا تترددي .. أبي ..هذا أنا غرسك أثمر.. وثمارك أينعت ..هذا يوم قطف الثمار ..ومسح الجبين من عناء المسيّ ها قد جاء الوقت الذي لطالما انتظرتموه ها قد حان جني الثمار "
ولا أخفِي رغبَتِي المُفرِطَة في البُكاء .. وحاجَتِي في تِلكَ اللحظَة في احتِضان "ماما" , إلاّ أنّها بالتَأكِيد قرات ذلِكَ في عينِي .. !
وأكمَلتُ ما بدَاتُ بِهِ .. بثقةٍ وجُرأة .. وتمكّن .. وأنا كُلّي يقِين بِأنّ أمّي استشعَرَت ما هدَفتُ لِإيصالهِ لها مِن خلالِ هذا المكان .. وهذا الجوّ .. وهذا الزمان .. وفي هذهِ الحفلَةِ بالذات ..!
أعقَبَ ذلِك .. تكريمُنَا الذِي كانَ رُوتينَاً مُملاً بالنسبَةِ لِي فيماكان اللحظَة المُنتَظَرَة بالنسبَةِ لهُم ..!
استَلَمتُ شهَادَتِي , مِنَ راعِي الحفل .. وبدورِي شكَرتُهُ فدعا لِي بالتَوفيق .. وابتسَمتُ للمُديرة !! , التي استغرَبَ الحاضرُون حالها في القاء الكلِمَة .. فيما فسّرهُ بعضهُم مرضَاً .. وآخرون ارتباكاً .. وآخرونَ خجلاً .. ولا نعلَم !

وانتهَىَ الحفل بِزغارِيدِ البنات ..وضحكَاتِ الأمهّات .. والفرحِ المُرتسِم على وجُوهِ الآباء ..فيما احتضَنتُ ليلَىَ .. وبكَيت , فبكَت هِيَ الأخرَىَ .. , وتُنظُرُ إليّ آلاء , ودمُوعِي تُبلّلُ خدّي فيما أمسحُها بيدِي , تُمسِكُ بِي تحتَضِنُنِي .. تبكِي ولا زَالت حتَى اللّحظَات الأخيرة التي تجمَعُنا في أجواءِ الدراسة .. "تعاندني" بِقولِهَا .. "إلقائش مو حليو " ,
أستَئذِنُهُم .. باحثَةً عَن "ماما" بينَ كُلّ الحاضرين , فيما تُرتّبان "آلاء وليلى" زيّ التخرج .. عينِي تلمَحُها فتُحِيطُ بِهَا , وتتجّهُ نحوها ,
أحتَضِنُهَا , تبكِي وأبكِي , تلفّنِي بينَ ذراعَيهَا , أمسِكُ يدهَا اليُمنَى أقبّلُها , تتبعُها اليُسرَى ..
تُسرِعُ في حدِيثِهَا " كنتِي أجمَل ما في الحفل" أبتسِمُ .. وأرَىَ في فرَحِهَا الدائِم كُلّ آمَالِي .. فيمَا ترَىَ فيّ كُل أحلامِهَا ..
"زهراء" اختي .. نبضِي .. تبتسِمُ لي , وكأنّهَا تنتَظِرُ دورها مِنَ القُبلات والأحضان .. أيمنَعُهَا الخجَل .؟
أقبّلُهَا أنا .. أحيّيها أنا .. أحتضِنُهَا أنا .. / "يا حُبّي لزهراء" ..
من بعِيد .. ألمَحُ نظراتهُنّ تُحِيطُ بِي , تُراقِبُنِي , أتَجِهُ و"ماما" و"زهراء" لهُنّ .. تُردِفُ مُعلّمَتِي قائِلَة ..
"مبرُوك التخرج سارة , إلقاؤكِ مُميّز , جُرأة كبيرة , صُوت ,قوّة, لِمَ تُخبّئُ سَارَة كُلّ هذا .؟!"
ابتسَمتُ وقُلت " وهَل فتّشَ أحدٌ عَنه .. بل إنّه كان ظاهِراً ..فهل حاولَ أحدٌ مِنكُم إظهاره في كُلّ المُحيطات"
ربتَت على كتفِي وقالت "العتَب على مُعلّمات اللّغَة العربيّة.. "

أم آلاء عقبتهَا .. ما إن رأتنِي حتَىَ أمطَرَت عليّ ثناءً لِجميلِ إلقائِي.. فيما غطّى الخجلُ محياي , وباركَ لِي والدُهَا التخرّج..!
وعُدتُ لِ المَنزِل ..
الإرهاق كانَ لا بُدّ مِنه .. فيما رحتُ أفتّشُ عَن المخبّئ في صدرٍ أمّي .. ولكنّي فُوجِئتُ بِهَا .. تبتَسِمُ وفي عينَيهَا سعادَة .. وهِي تقول..
" أنتِ كُل أحلامِي .. وفيكِ اليَوم وجَدتُ شيئَاً كبيراً مِمّا هدَفتُ لِرُؤيَتِكِ عليهِ يوماً .. جمالُ الهيئَة .. والثقة بالنَفس .. والجُرأة .. وامتداد نظر عينيكِ .. وصوتكِ ..قوتكِ .. أنتِ هديّة السماء .. سعَادتِي بكِ اليوم لا تُوصَف "
والإحسَاس المُفرِط الذِي يجعَلني أبكِي عندَ كُلّ مديح .. أو كلّ سعادة .. أو نوبة حزن .. جعَلَي أبكي هذه المرّة أيضاً ..
أنَا سعادتِي لم تكُن بتخرّجِي .. ولا بشهادتِي .. بل بسعادةِ "ماما" .. !
وتحقّقَت الغَايَةُ التِي خبّأتُهَا في نفسِي
..
____________________________________

نجدُ الإجابة.. حين ننسى الأسئلة*
رد مع اقتباس