الموضوع: طبق لشخصين
عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 27-07-2009, 19:29
الصورة الرمزية ليس بعد ..
ليس بعد .. ليس بعد .. غير متصل
كـائن
 
بداياتي : Apr 2008
الـ وطن : (كَوْكَوْ) آخر ..
المشاركات: 60
تقييم المستوى: 0
ليس بعد .. is an unknown quantity at this point
افتراضي طبق لشخصين

** 1 **




في هذه الليلة , كان المطعم مزدحماًً على غير عادة ! , اختلطت الأصوات ببعضها وارتفعت حرارة المكان ؛ الصالة البالغة الفخامة , ذات الطاولات الأنيقة , والحيطان الرمادية المائلة للاصفرار , كانت تضفي جواً ساحراً بانعكاس الأضواء عليها . المكان مليء بالنساء المتأنقات ؛ كانت رائحة العطور المنتشرة في المكان تحيله لحديقة في عالم آخر .. وكانت الضحكات تعلوا وتخفت , والأحاديث الجانبية تشير لاندماج الجميع في حالة من الحيوية .
فجأة ظهر رجل غريب بالباب ! , كان دخوله يشبه قنبلة انفجرت في المكان !! , حيث عم الصمت بشكل مثير في أرجاء المكان .. والتفتت الرقاب كلها - تقريباً - لتلمح هذا الوافد ! .
كان رجلاً ممتلئا , أقرب للقصر منه إلى الطول , يرتدي قميصاً أبيضاً بأكمام طويلة مفتوحة , وبنطالاً مثبتاً بواسطة حمّالات !! , يظهر على محياه التعب , ربما بسبب اللحية الخفيفة الغير مشذبة , والشعيرات العشوائية في منطقة الشارب !! .
ملأ الرجل عينيه بنظرة شاسعة وبلهاء في الحضور , تأمل المكان , تأمل النظرات التي كادت أن تخترق جسده كالرصاص .. وبسرعة التفت للموظف المذهول بجانبه , والمتكيء على ما يشبه منبر أساتذة الجامعة في قاعات الدرس , وقال :

- أريد طاولة لو سمحت

رد الموظف الذي أظهر امتعاضاً ولا مبالاة :

- أسف سيدي , جميع الطاولات مشغولة .

باغته الرجل بسؤال وهو يلقي نظرة على المكان :

- وماذا عن بعض هذه الطاولات الفارغة ؟

- إنها محجوزة يا سيدي . رد الموظف ثم أضاف باستعلاء :

- كما وأن لهذا المكان بعض الخصوصية والتقاليد ....

قاطعه الرجل وبدا غير مبالٍ لما سمعه , متنقلاً بنظره في زوايا المكان :

- ماذا تقصد ببعض الخصوصية ؟ أي تقاليد التي تتحدث عنها ؟


كان أكثر الجالسين - تقريبا - يصغون لهذا الحوار ولو بدا أن البعض وكأنه يخفي اهتمامه , إذ أن بعض المتحومين حول الطاولات المستديرة , والمتأنقين إلى درجة تكاد تكون متكلفة , كانوا يتحدثون مع من بجانبهم وآذانهم وبعض نظراتهم مع الحوار الدائر عند مدخل المطعم .
أحد الجالسين كان رجلاً أسوداً - بهيئة وقورة , وفي أواخر العقد الخامس ربما - أثاره في باديء الأمر هذا الرجل الذي هوى كنجم في وسط المكان , والأحداث ؛ ولكنه صرف اهتمامه بسرعة - لطاولته التي كانت تضم زوجته وابنتاه الشابتين - وكأن شيئاً لم يحدث تلك الليلة , أو هكذا بدا الأمر !

عاد الرجل ورفع صوته هذه المرة , وسأل الموظف المضطرب :

- ماذا عن الخصوصية ؟ أين ذهبت التقاليد ؟ لماذا هذه النظرة البلهاء التي ترمقني بها .. وأين ذهب لسانك ؟ لماذا لا تتحدث ؟

رد الموظف وعلامات الخوف بادية عليه :

- لا أقصد شيئاً سيدي , ولكن ربما لا تملك ...

قاطعه الرجل بحدة :

- لا أملك ماذا ؟ المال ؟ السلطة ؟ الكفاءة ؟ .....

وراح يعدد الصيغ بتمكن وبغضب ممزوج بالسخرية , ما أثار في المكان مشاعر الدهشة , وفجّر في النفوس التوتر .

نظر الموظف وهو يتلقى هذه الكلمات الضخمة , نحو أحد الجالسين على طاولة في جانب الصالة , الذي بدوره أومأ برأسه دلالة القبول ؛ كان هذا الرجل - الذي بدا وكأنه صاحب المطعم - يشارك عدداً من الرجال المتأنقين والنساء الفاتنات طاولة مميزة وخاصة , سيما وأنها كانت تحتل أفضل زاوية في المطعم , وكان البعض من المتواجدين في المكان , كلما أراد أن يغادر طاولته لأي سبب , كان يلقي تحية خاضعة , واحتراماً مفتعلا .

ابتسم الموظف في وجه الرجل الذي كاد أن ينهي لتوه , محاضرة متخمة بالمصطلحات والتعابير الرنانة , وأشار له بالتقدم , ورافقه بين الحضور , نحو طاولة صغيرة في طرف الصالة , وسحب له الموظف أحد الكرسيين التي كانت حول الطاولة , ولكن الرجل نظر للطاولة , ثم أدار رأسه نحو منتصف الصالة , فوقعت عيناه على طاولة في الوسط , بين حشد الجالسين ؛ كانت كبيرة ويحيط بها العديد من الكراسي ,وكانت كما لو هُيئت لأهم شخصية في المدينة , وأشار للموظف بإصبعه نحوها , وقال :

- أريد تلك الطاولة ..

انتفض الموظف

- ولكن ...

قالها الموظف وهو ينظر لذات الشخص الذي كان يجلس إلى الطاولة المميزة تلك , الذي كان يراقب الوضع من بعيد , حيث أشار بالإيجاب هذه المرة أيضاً . تبرم الموظف , وبدأ يجر خطواته نحو الطاولة المنشودة , وهو يقول :

- تفضل يا سيدي .. ستحظى بالجلوس على أفضل طاولة لدينا ..

وأضاف :

- هذه الطاولة لأهم شخصيات المدينة ..

وراح يعدد مميزات هذه الطاولة , بينما الرجل يمشي وراءه متبختراً , ممسكاً بحمالتي بنطاله , وهو يوزع نظراته الباردة , وابتساماته الساخرة , على الحضور الذين كانوا يتابعون هذا الحدث المثير , والذي أذهلهم عما كانوا فيه من حراك .





يتبع ....
____________________________________

تكلم لأراك ..

التعديل الأخير تم بواسطة فال ; 24-08-2009 الساعة 13:09 سبب آخر: رمضان كريم
رد مع اقتباس