عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 02-10-2009, 07:53
الصورة الرمزية كاتب عمومي
كاتب عمومي كاتب عمومي غير متصل
كلما فهمت تعبت !
 
بداياتي : Aug 2009
الـ وطن : الرياض
المشاركات: 197
تقييم المستوى: 0
كاتب عمومي is an unknown quantity at this point
افتراضي كيف أقبض على روحي ؟

.
.





مثقل أنا بالجراح ، قادم من أرض بعيدة ، مطرود برغبة ذاتية ، ومطارد من نفسي والآخرين .
سافرت مثل أي طائر حر ، تنقلت بين مدن كثيرة ، تركت ذكرياتي وآثارا أخرى في كل مكان .
ليس صحيحا أنني دوما أنجح في خداع نفسي ، إذ ما أثقلها من نظرة ، حين أشاهد نفسي في المرآة ، وأكتشف أني على غير حقيقتي .

مطلوب مني دائما أن أتكيف . أن أصير كما يصير الآخرون . أن لا تصبح تصرفاتي مختلفة عمن حولي ، حتى لو كان من حولي يمارسون أشياء خاطئة ومنحرفة !
ماذا يعني أن تتكيف ؟؟ هل يعني ذلك أن تصبح بلا هوية ، أن تتصرف تصرفات تمقتها نفسك ؟

كنت أحلم أن يكون لي قلب كبير ، وأفق ممتد ، يستوعب هذا الجنون الذي يواجهني كل يوم وليلة ، كنت أحلم أن تقتات أنفاسي تلك الصباحات السعيدة التي كنت أنعم بها أيام طفولتي ومراهقتي ، أيام ماكانت اللذة والمتعة ترافق أغلب التفاصيل ، حتى البسيطة منها والتافهة !
أما اليوم ، مع هذا الرتم الغريب ، والعصر الذي لا يتحلى بالقليل من الذوق ، حتى يستأذنك في الانتقال من مرحلة لأخرى ، أو يعطيك الفرصة لتتأمل أو تفهم ماذا يدور حولك ، إنما يقفز بك وكأنك لاعب زانة ، أشعر حيال ذلك ، أنه لم يعد من المتاح إلا أن تشاهد بصمت المذهول . فقط ، تجول ببصرك للأحداث دون حتى أن تعمل عقلك ، وربما لن تضطر لممارسة الإستماع أيضا ، لأن كل شيء بات وليد المفاجأة ، ومختزل في صورة ، أو مظهر ، أو شكل . وماعدا ذلك ، فهو خارج سياق العصر ، ولا قيمة له في أغلب المواقف والظروف !

أتذكر ، كنت فتى صغيرا، يمارس طقوس غريبة ، أجمع ألواح خشبية صغيرة من محل نجارة مجاور ، وأصعد بها مع فرحة واضحة إلى غرفة منسية في سطح المنزل ، ثم أبدأ بالرسم عليها . كنت أفعل ذلك مستعينا بمزاج عالي ، حيث يكون (( المسجل )) على مقربة مني ، وأنا أستمع لروائع محمد عبدالوهاب التي تتغنى بها أم كلثوم !

في تلك الغرفة كنت أعيش عزلتي ، واستقلاليتي ، قرأت فيها كل روايات أجاثا كريستي والمنفلوطي وبعض الكتب التي كانت تقع عليها يدي من مكتبة البيت . كل هذا كان يحدث وأنا لم أتجاوز الثانية عشرة !
وبعد مضي السنين ، اليوم . أتساءل ، من سرقني ؟ من جردني من طقوسي ؟ من قتل الكائن الموهوب في داخلي ؟ من انتزع ذاتي ؟ وأدخل يده في عقلي وبدأ يعبث ؟
أحيانا أنظر لنفسي ، وأرى في عيني سؤالا يكاد أن ينطق : هل أنت ( كاتب عمومي ) الذي يفترض أن يكون كما هو عليه الآن ؟ أم أنه من الطبيعي أن يكون (كاتب عمومي )هذا ثلاثة أشخاص ، مئة شخص ، مليون ؟؟ من صنعك ؟ من شكلك ؟ من أثقل عاتقك بهذه الأفكار والموروثات والمبادئ ؟
لماذا تنتمي لهذا التيار ، ولا تنتمي لذاك ؟ لماذا يجب عليك أن تلتزم بتيار معين ؟ لماذا لا تصنع لنفسك تيار ، وتجعل الناس هم من يتبعونك ؟
لماذا تعتبر السعودية وطنك ؟ لماذا لا تكون الكويت مثلا ، أو سويسرا ، أو اسرائيل ؟؟!
لمذا صارت المجتمعات ؟ ووضعت الحدود ؟ ورسمت الخرائط ؟ ووجد الملوك ؟
لماذا تعددت اللغات ؟ وقدست الأفكار والأوطان والتقاليد أكثر من الإنسان نفسه ؟
لماذا وجد الوعاظ ؟ والمعلمون ؟ والعلماء ؟ والفلاسفة ؟
هل وجدوا ليغيروا أفكارنا ؟ وكيف كانت أفكارنا قبل أن يغيروها ؟ وهل كانت بحاجة للتغيير بالفعل ؟
لماذا يقول (( فوكو )) أن الإنسان مات بمجرد أن صار له مجتمع ولغة وعادات ؟
.
.
المهم الآن ،
قولوا لي ، كيف أقبض على روحي ، أراها تحلق بمسافة معقولة عني ، تقفز في أرجاء الغرفة هنا وهناك ، لا أعلم لماذا تهرب مني بهذه الطريقة ، حين تستمع لهكذا عزف ؟؟


.
رد مع اقتباس