عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 08-05-2010, 23:54
الصورة الرمزية كاتب عمومي
كاتب عمومي كاتب عمومي غير متصل
كلما فهمت تعبت !
 
بداياتي : Aug 2009
الـ وطن : الرياض
المشاركات: 197
تقييم المستوى: 0
كاتب عمومي is an unknown quantity at this point
افتراضي المنافقون والمنافقات في القرآن الكريم

( خليل الشريف ، 24 / 5 / 1431هـ )

من الصعوبة بمكان . وإن كان من الضروري أيضا ً، مواجهة الجهل بالمعرفة ، حيث جرت العادة . أن يتحصن الجهل بجدار من المقاومة والتحدي . وكما قيل ( الإنسان عدو ما يجهل ). لكن هذه الصعوبة لا تستحيل إلى أمر تعجيزي ، أو إلى مشقة مضنية . إلا في حالة واحدة . عندما تتواجه المعرفة النقية ، مع الجهل المنغمس بوهم المعرفة وادعاء العلم ! وهذا ما يسميه البعض ( الجهل المركب ) . الجهل الذي يلتف بعدد كبير من أوشحة المعرفة الواهمة ، المستندة للضلالات ، المحتجة بالعقل والمنطق ، وكأنهما المصدران الوحيدان للمعرفة الإنسانية .

في هذا الصدد ينال المؤمنون بالغ المشقة والأذى في مواجهتهم القديمة والمستمرة مع المنافقين والمنافقات . إذ أن هذه المواجهة تمثل الصورة المتكررة من التقاء المعرفة النقية بالجهل المركب . من تصادم الحق مع الباطل ، من تواضع العارف مقابل غرور الجاهل !

يقرر القرآن هذا الأمر في أكثر من موضع . ويكرر التنبيه لهذه الصور من اللقاء المضني للمعرفة بالجهل في كثير من السور . ومن أبرز ما قاله الله -عز وجل- عن هذه الفئة التي يقوم منهجها على الادعاء دائما منذ مئات السنين . والتي تتلاقى معها المعرفة في صورة متعبة مرهقة لا تنتهي بنتائج ايجابية في غالب الأحيان . ما ورد في الآيات الكريمات من 8 – 24 من سورة البقرة . حيث ينطلق الكشف الرباني قائلا :


(( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ..))

ومما يلفت الاهتمام هنا التعريج عليهم بعبارة (( من الناس )) (( ومن الناس من يقول ..)) إن عظم هذا القرآن يتجلى بعدم اكتراثه للأسماء أو تحديد الجماعات أو التوجه للمقصودين بمسمياتهم . أو الإشارة لأماكنهم أو فضحهم على رؤوس الخلائق . بينما الله عز وجل قاهر وقادر على أن يكشفهم بأسمائهم وبأوصافهم . لكن أسلوب القرآن لم يكن أبدا يهتم بالشخوص بقدر ما يهتم للمواقف التي تتبناها تلك الشخوص . ولم يذكر الأسماء إلا في أضيق الحالات التي تقتضي الحكمة ذكرها . فلم يذكر القرآن – على سبيل المثال – من هم أهل الكهف ؟ ولم يذكر أسماء الصحابة - ما عدا زيد - . ولم يذكر اسم فرعون إنما اقتصر على التسمية الرسمية له .، ولم يذكر أسماء الكثير من الشخوص التي تعاطى القرآن مع مواقفهم ، وذكرها بالسلب أو الإيجاب . وما أهمية الأسماء أو المعالم أو الجماعات . بجوار المواقف السلوكية و الإعتقادية لهم ؟

إن منهج القرآن قائم على أن يكتشف كل قارئ للآيات مدى انطباق الآية التي يقرأها على ذاته . فهو يجعل من الشخص دليلا على نفسه . يكشف نفسه بنفسه . ويقيس الموقف الذي يقرأه في الآية على الممارسات والمعتقدات التي يتبناها في حياته . إن الأسلوب القرآني يصنع عدة وظائف للآية الواحدة . فهي مثبتة للمؤمنين . كاشفة للمنافقين . فاضحة خوالج الإنسان أمام نفسه . داعية للضمير الحي أن يكف ويعود . وكأنها تناديه دون اسم أو إشارة شخصية . وتحاول أن تلمس أعماق الشر أو الخير داخله لتخلق في وعيه هزة عنيفة ، عله يعود ويرجع عن الشر ، أو يثبت ويمضي في طريق الخير . وليس المطلوب في الآيات الدالة على أحوال المؤمنين . أو الآيات الدالة على أحوال المنافقين . أو الآيات الدالة على أحوال الكافرين . أو غيرها من الآيات ذات الدلالات المختلفة . أن نبحث عن دلالاتها فيمن حولنا وحسب . بل الأهم والأولى أن نبحث عن دلالاتها في أنفسنا أولاً .


(( ومن الناس من يقول ..))

ما أعظم هذا الملمح ! ((ومن الناس..)) إن الإشارة الإلهية هنا لا تحدد عدد هؤلاء الناس . كما أنها لا تبعضهم كقولنا ( بعض الناس .. ) . و لا تشير لقلتهم أو كثرتهم . وحسب القرآن أن قال أنهم (( من الناس ..)). إن الله العظيم – وهو العليم بهم - لا يحفل بشأنهم ! ولا يهمه عددهم . ومن تكون هذه الفئة أمام ملك الله جل جلاله وقوته حتى يحسب الله القوي المتين لعددها !؟ وهل يضيره عز وجل كثرتهم . أو يريبه قلتهم ؟!! إن الإنسان الفاني . في خضم شهوة الحياة . يظن في غفلته ، أنه غني عن ربه!! وأن له من القدرات العقلية ، والمواهب الفكرية ، والمخترعات العلمية ما تجعله بعيدا عن حاجة الله ! أو يظن في انبهاره بمظاهر الحياة المادية . وأسبابها ومسبباتها . أن حاجته تقف في يد المخلوقات دون الخالق ! لكن هذا الإنسان ( الفرد ) الفاني . ينسى أنه في مقاييس الكون . ذرة تائهة لا مكان لها و لا اعتبار بين هذا الحشد من المخلوقات التي لا تحصى ولا تعد ولا تقاس أحجامها وقواها بقواه. وهو في مقاييس الزمن ليس لعمره ( كفرد ) وزن أمام عمر الكون والأجيال القديمة والمتعاقبة والمتلاحقة حتى قيام الساعة ، ولا يتعدى زمن تواجده في هذا العالم ومضة خاطفة سريعة ، أمام عمر الكون الممتد العريق !! . إنه خالي الوفاض . قشة طائرة في عالم كبير هائل ! إنه ضائع ؛ تائه لا محالة إلا بحبل من الله ! إن هذا الإنسان لا يعي تمام الوعي قدر الحاجة التي ينشدها وجوده في الحياة إلى الله الحي الدائم . وأن هذا الاحتياج إلى المولى الكبير يفوق أي احتياج آخر مما يلتمسه من الحياة والآخرين ممن حوله . ومتى ما فقد الإنسان هذا الشعور الملح الغلاب بالاحتياج إلى خالقه والافتقار لفضله . فإنه يفقد مغزاه في الوجود ! ويعود لحجمه الصغير العاجز في هذا الكون الفسيح ، ويتيه في دوامات من الحيرة والضلال والعجز !

(( ومن الناس .. )) ومن الناس .. إنها إشارة لضعفهم ، وغياب لقيمتهم بين مجمل الخلق الإنساني الممتد عبر الزمن الطويل . وأنهم ليسوا ممن يربطهم بالله رابط يحفظ لهم كرامتهم عنده . بل إنهم مجرد " من الناس " لا أكثر !!
(( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ... ))

وهنا يظهر الفهم المغلوط للإيمان عند هذه الفئة من الناس . حيث يظهر أنها تفهم الإيمان بالله وباليوم الآخر ؛ على أنه مجرد ظاهرة صوتيه، تتمثل بفتح الحنجرة والنطق بالإيمان ثم إغلاق الحنجرة ، وتنتهي قضية الإيمان عند هذا الحد !

إنهم يقولون بصوت جهوري واضح (( آمنا بالله وباليوم الآخر )) ! لكن الإيمان كما يعرضه الله ورسوله في منهج الإيمان الحقيقي ، ليس مجرد أقوال تتنافى مع المعتقد الداخلي والسلوك الظاهري للمؤمن . إن إيمان الأفواه والحناجر لا يقوم مقام إيمان القلوب والسلوكيات . وإن إيمان مبتور مشوه مثل هذا ، ما هو إلا وسيلة للتهرب عن التكليف الحقيقي للإيمان ، وتبعاته التي يلقى فيها المؤمنون ما يلقون في سبيل إيمانهم وثباتهم على قيمهم ومبادئهم . حيث يهرب مثل هؤلاء مستنجدين بالقول بالإيمان . بينما هم كما يخبر الله عز وجل في ختام الآية الكريمة ويقطع الطريق على تمثيلياتهم وأدوارهم الرخيصة :
(( وما هم بمؤمنين )) !!

إن حقيقة منهجهم عدم الإيمان ، وموقفهم من الإيمان موقف الذي يقبل ويرفض في الوقت نفسه ، وتعاملهم مع الحق ومع المبادئ ومع القيم ، دائما ما يكون بالتجزيء . والله عز وجل لا يقبل في دينه التجزئة . ولم ينزل القرآن . ليأخذ الناس ببعضه ويتركوا بعضه . ولم يفرض شريعة الإسلام ، حتى يقصقصها البعض كيفما تشتهي أنفسهم . وأًصحاب إيمان مثل هذا الإيمان المشوه المجزئ ليس لهم عند الله من تصنيف إلا :
(( وما هم بمؤمنين ))!
فكيف يؤمنون وهم يعتقدون بمعتقدات غير المؤمنين بالله وباليوم الآخر ؟؟ وكيف يؤمنون وسلوكياتهم تتفق مع سلوكيات من لا يؤمن بالله وباليوم الآخر ؟؟
ويبقى السؤال الأهم ؛ ما الغرض من هذا الإدعاء المزيف بالإيمان ؟ لماذا يقولون بالإيمان وهم غير مؤمنين ؟ ما الدافع الذي يحثهم لهذا التناقض المخجل ؟؟

يجيبنا الله عز وجل عن هذا التساؤل الذي يتبادر للذهن عند قراءة الآية السابقة ، فيقول عز من قائل في الآية التي تليها مباشرة ..

(( يخادعون الله والذين آمنوا ..))

إنه الخداع والمكر والحيلة ، إنها الإستراتيجية التي يقوم عليها عمل المنافقون والمنافقات في كل زمان ومكان . إنها أدواتهم الإعلامية المضللة . ووسائل إخراجهم للصور والمشاهد . وتقنياتهم التي تعتمد على التزييف والخداع .وعباراتهم الكيدية . و مصطلحاتهم الفضفاضة الملفقة ! وخلطهم للأمور والقضايا ، وتزيينهم للباطل ، وكيلهم بمكيالين !

وتأمل هذا المبلغ الذي وصلوه ، فهم لم يقفوا عند هذا الحد من التضليل . بل بلغ بهم التمادي والاستهتار ؛ أن وصولوا للدرجة التي يريدون فيها أن يخادعوا الله ؟!!

(( يخادعون الله ..))!!
ومن يملك القدرة على مخادعة الله ؟! من يفكر للحظة أن هناك بصيص من فرصة للاحتيال على الله ؟؟! لكن هذه الفئة من الناس ؛ لم تعد تميز بين الدور الذي تلعبه ، وبين الأهداف التي تسعى لتحقيقها . ولم تعد تفرق بين مخادعة المؤمنين ، ومخادعة الله ! إن مخادعة المؤمنين قد تنجح في عالم الأجل القصير ، وقد تتفوق أدواتهم ولغتهم وجمهرتهم على الحزب المؤمن في دنيا الأسباب والمسببات . لكن كيف تبلغ بهم الجرأة على محاولة خداع الله ؟


يتبع بإذن الله
____________________________________



عندما رأيت زهور " الدافاديل "
في منتصف يناير
ادركت انك ابتسمت
هذا الصباح !

(( يغيب عن ذاكرتي صاحبها ))
رد مع اقتباس