عرض مشاركة واحدة
  #2 (permalink)  
قديم 09-05-2010, 00:01
الصورة الرمزية كاتب عمومي
كاتب عمومي كاتب عمومي غير متصل
كلما فهمت تعبت !
 
بداياتي : Aug 2009
الـ وطن : الرياض
المشاركات: 197
تقييم المستوى: 0
كاتب عمومي is an unknown quantity at this point
افتراضي رد: المنافقون والمنافقات في القرآن الكريم

(( يخادعون الله والذين آمنوا ..))

يرى بعض المفسرين مثل المفكر الإسلامي الكبير قطب وغيره ، أن لفظ الجلالة في الآية (( يخادعون الله والذين آمنوا )) هو من باب الدعم للمؤمنين ، وأن من يخادعهم فكأنما يخادع الله عز وجل . وهذا باب تشريف وتعظيم للمؤمنين ، حيث يكون الله معهم سبحانه ، يقف في صفهم ، ينصر من ينصرهم ، ويعادي من عاداهم . ومثل هذا صحيح . وقد ورد في القرآن مما يشابهه كثير . غير أن السياق في الآية ، وفي ما بعدها من الآيات يؤكد المحاولات الحمقاء لهذه الفئة في مخادعة ربهم ، بالإضافة لمخادعة المؤمنين ! فالفعل المضارع (( يخادعون )) يدل على الاستمرارية في الفعل ، فهم سادرون في وهمهم ومنهجهم القائم على الخداع والاحتيال . ومخادعة الله لا تدل على التجبر بقدر ما تدل على سطحية التفكير، وغباء التصور في أذهانهم . هل يعقل أن يخادع الإنسان من يعرف أمره ، ويكشف حقيقته ، ويفهم أسلوبه ؟ إن مما يثير الضحك والشفقة في آن واحد . أن يخادعك – على سبيل المثال - ابنك ! أو أن يحاول طفل صغير أن يحتال عليك ، أو أن يمارس أحدهم ذكاء عليك ممن أنت على علم بسلوكه ،ونفسيته ، وطريقة تفكيره . فكيف بالله عز وجل – وله المثل الأعلى – حين تحاول هذه الفئة أن تخادعه ؟!
وحتى لا نقف حيارى أمام هذا التصرف المشين ، فإن الله عز وجل يلفتنا لعظم إحاطته بهم وبمكرهم . وأنهم واقعون في حبائل ما يمكرون ، وأنهم سيجازون ثمن التفافهم على الحق وتزيينهم للباطل . فيختم الآية نفسها :

(( .. وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون )) ..

يا الله ! أي شقاء هذا ؟ وأي صدمة تلك ؟! أصبح الطالب هو المطلوب ! وصار السارق هو المسروق ، وأمسى الخادع هو المخدوع !! إن احتيالهم يلتف حول أعناقهم ، ليس هذا فحسب ، بل فوق هذا (( وما يشعرون ))!!
إنهم يقعون في أفخاخهم دون وعي منهم أو شعور ! فهم بنهمهم المتكرر لخداع الآخرين ، وتمثيلهم الدائم على المؤمنين . وتشدقهم بالكلام . ولي ألسنتهم بالشبهات . يبرمجون أنفسهم على موال الخدع للدرجة التي يخدعون فيها أنفسهم ! فيفتنون بشبهاتهم ، ويصدقون أكاذيبهم ! كل هذا يحدث لهم ؛ وما يشعرون !!
والغريب في ظنهم الواهم، أن قبولهم اللفظي بالإيمان سيكون مخرجهم للوقوف في الخانة المبهمة ! الخانة التي لا ترفض الكفر، ولا ترفض الإيمان ! يصرحون بالإيمان بالله وباليوم الآخر ، وفي الوقت نفسه يصرحون بالتشكيك والشبهات بحق الله وبرسوله وبالقرآن ؟! إنهم لا يقفون موقف المحايد . على الإطلاق . فالموقف الحيادي . يلزم صاحبه أن يكون بعيدا عن التعليق أو التعاطي مع آراء الطرفين ، بل يقف في خانة بعيدة عنهما . لكن المنافقون والمنافقات . يقفون كلا الموقفين ، ويحاولون الظهور في كلا المنطقتين ! تجدهم مرة في صفوف المؤمنين يرفعون شعارهم اللفظي بالإيمان ، ومرة في صفوف غير المؤمنين يرفعون الشبهات والتشكيك والتهوين من قدر المؤمنين !!وهكذا تجدهم مرة هنا . ومرة هناك .. مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء !!
وبالتالي مثل هذه الفئة من الناس . لا يمكن النظر لها على أنها فئة تشكل تيارا فكريا ، أو جماعة ذات منهج واضح المعالم . أو طائفة ذات منظومة مفهومة وحاضرة . إنهم مجرد فئة من الناس . الخالية من الانتماء . التي ليس لها خانة فكرية أو اجتماعية تركن إليها ، ولا تستند لمرجعية تنبثق آرائهم على أساسها . فئة من الناس ؛ لم تحدد موقفها ومصيرها بعد ، وصاروا أشبه ما يكون بالمشردين !!

إن حالة إنسانية مثل هذه الحالة . ترضى لنفسها مثل هذا الخيار ، وترتكز إستراتيجيتها في الحياة على خداع الآخرين . وتضع نفسها بين الشك واليقين ، تستكبر عن قبول الإيمان ، ولا تجهر بالكفر . حالة إنسانية كهذه الحالة المذبذبة ، المشتتة ،غائبة الهوية والمعالم . لا أعتقد أن الطب النفسي الحديث يتردد للحظة واحدة بوصفها مريضة !
أما عند علام الغيوب ، خالق الأنفس والعالم بخفاياها . فيحتم عليهم هذه الصفة بشكل لا يقبل المناقشة ، فيقول سبحانه في الآية التي تليها مباشرة :

(( في قلوبهم مرض ..))

بالفعل ! مرض ! لا يمكن أن يفسر سلوك إنساني على هذه الشاكلة الغريبة إلا أنه مرض . ومنبع هذا المرض ومستقره في القلب ، ومتى ما كان منبع المرض القلب . فذلك الشقاء الدائم ، والهلاك المبين . حيث يصبح الجزاء من جنس العمل . إن جزاء من يعمل على إمراض قلوب الناس ومحاولة إضلالها بالشبهات ، أن يزيد الله قلبه مرضا وسقما في الدنيا . وأن يكون جزاء كذبه وخداعه ؛ العذاب الأليم في الآخرة . هكذا ختم الله عز وجل الآية الكريمة :
(( فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ))
يتبع بإذن الله
____________________________________



عندما رأيت زهور " الدافاديل "
في منتصف يناير
ادركت انك ابتسمت
هذا الصباح !

(( يغيب عن ذاكرتي صاحبها ))
رد مع اقتباس