عرض مشاركة واحدة
  #7 (permalink)  
قديم 18-05-2010, 01:31
الصورة الرمزية كاتب عمومي
كاتب عمومي كاتب عمومي غير متصل
كلما فهمت تعبت !
 
بداياتي : Aug 2009
الـ وطن : الرياض
المشاركات: 197
تقييم المستوى: 0
كاتب عمومي is an unknown quantity at this point
افتراضي رد: المنافقون والمنافقات في القرآن الكريم

.
((في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ))
تحمل هذه الآية – على الرغم من إيجازها - من الوعيد الغليظ ، والعقوبة المرعبة . والنهاية الأليمة . ما لا يمكن حصره أو تصور حال من يشمله نذيرها !! حيث تقرر الآية مصير هذه الفئة المنافقة ، في الدنيا وفي الآخرة . وأن مصيرهم إلى سوء سواء فيما يتعلق بالدنيا ، أو فيما يتعلق بالآخرة . أما في الدنيا :
(( فزادهم الله مرضا ..)) وصورة العقوبة هنا أشبه ما تكون بصورة المريض الذي يباشره الطبيب فيخبره بأنه مصاب بمرض خطير ، وأن مرضه هذا سوف يزداد ويتضاعف ، وأن الشفاء من مرض يتعرض للزيادة والمضاعفة يكاد يكون أمرا مستحيلا !!
ولله المثل الأعلى في السموات والأرض ، إنه يشخص حالتهم . وبعد أن نبأهم بحال قلوبهم المريضة . أضاف على هذا أن مرضهم لن يتوقف عند هذا الحد فحسب . بل سيزداد ويزداد!!
وكم لهذا الوعيد من هزة في قلوب المؤمنين . القلوب التي لم تفقد إيمانها بعد . ولم تتعرض لوحشة الشبهات ولوثة النفاق . فالقول هنا . ليس لمخلوق من مخلوقات عالم الفناء . وليس من أصحاب التهديدات العنجهية الواهية . وليس ممن يتخرصون بالعلم ظنا منهم أنهم فكوا أسرار الكون وأحاطوا بها . إن القول هنا من رب السموات والأرض .. الله العليم البصير الخبير . سبحانه وهل يبقى للمؤمنين شك في أن هؤلاء مرضى والله يقول عنهم أنهم مرضى ؟؟!

(( في قلوبهم مرض ))
إنهم وإن زينوا ظواهرهم . ووزعوا الابتسامات ، وتماسكوا أمام الناس . وإن كانوا يتخفون وراء لطيف الأسلوب ، وأنيق الكلام . إلا أن المرض قد تمكن من قلوبهم ! و الوباء انتشر وتغلغل بينهم !

((في قلوبهم مرض ، فزادهم الله مرضا ..))و ينبغي الالتفاتة لأمر مهم جدا ..
(( في قلوبهم مرض ))لقد كانت البداية منهم ! والشرارة الأولى للمرض ؛ انطلقت من قلوبهم وشكوكهم و شبهاتهم . إنهم إن كانوا قد سارعوا للمضي في طريق الضلال . وأقبلوا على مسببات المرض من النفاق والخداع . فإن النتيجة المباشرة العادلة لهم :

((فزادهم الله مرضا)) ...
ذلك أن الله عز وجل لا يرضى لعباده الضلال ، ولا يرضى لهم مرض النفاق والكفر . وهو اللطيف الرحيم بعباده ، يعز عليه أن يضلوا ويتيهوا بعد أن كرمهم بالرسالة وشرفهم على جميع المخلوقات ، وأعد لهم ما أعد من نعيم مقيم يرضاه لهم بكرمه ومنه وفضله . لكنهم إذا ما سعوا إلى الضلال . واتخذوا النفاق منهجا لهم في الحياة . بل – وفوق هذا – صاروا ينشرون مرضهم وضلالاتهم وشكوكهم بين المؤمنين رغبة في إضلالهم وتشكيكهم في دينهم . فإن مثل هؤلاء أرخص من أن يربطهم الله بحبل الهدى والنور! وأحط من أن ينقذهم من هذا الهلاك الذي اختاروه لأنفسهم . وإن أعظم عقاب لهم في الدنيا . أن يتركهم الله لأمراضهم ولأفكارهم و تخبطاتهم يغرقون فيها حتى الدرجة التي لا يتمكنون من النجاة بعدها !

إن الفئة التي يقصيها الله من حفظه وعنايته و هدايته . ماذا سيبقى لها من خير في الدنيا ؟؟ وذاك والله مكمن العذاب ! وإنك لتلاحظ الحسرة والخوف تصيب من فقد حظوته عند أمير أو ملك أو سلطان في عالم الفناء التافه ، وتجده يأسى على من لا يملك له ضرا ولا نفعا ! فكيف بمن فقد حظوته عند من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟ ومن ضيع رباطه بمن هو أحوج إليه من حاجته لأنفاسه ! كيف حال هذا الذي فقد الله ؟!! ومن فقد الله ماذا بقي له ؟؟!!

فزادهم الله مرضا ..أي زاد إعراضا عنهم ، وأخرجهم ممن نالوا حظوته وكرامته واهتمامه . وإعراض الله عز وجل من أقسى العقوبات على من يعرض عنه من خلقه . إن القلب الذي يعرض عنه الله ؛ مريض لا محالة ! سقيمٌ ما في ذلك شك ! وإن إعراضه سبحانه عن هذه الفئة وإيكالها لأوهامها ومرضها سيجعل مرضهم وشقائهم في زيادة لا يكتب لها الوقوف ! فيمضون في طريق الحرمان والوحشة ، غريبين في دنيا لم تكن الحكمة من خلقها إلا عبادة الله والانصياع لحكمه . فئة شاذة عن موكب الصالحين عبر العصور والرسالات . منشقة عن الوحي الرباني . ومعزولة في عنابر المرض واليأس !

إن أصحاب النفوص النظيفة ، لتنخلع قلوبهم و تهتز من وجل الله ورهبته ! ثم تخبت وتشتاق من فرط حبه واللهفة لفضله . ولا تحيا هذه القلوب الطاهرة ولا تنتعش ؛ إلا إذا ما ارتبطت بنور السموات والأرض ، نور الله الذي يقلب القلوب ويصرفها على طاعته . الأول سبحانه الذي يبتدئ منه وينتهي إليه كل شيء .
إن قلوب البشر ذات الفطر السليمة ، لا تكاد تنبض وتضيء إلا إذا ارتبطت بالوحي الإلهي ، فأشبعت نهمها لكلام رب الناس ووصاياه وقصصه ، تجد مع خالقها الأنس والسلوى ، والطاقة النابضة الدافئة . والصفاء الذي لا يكدر . والمتعة الخالصة التي لا يزاحمهم فيها غشاش أو حاسد أو طاغية . إنها أشرف العلاقات وأنبلها وأزكاها . إنها علاقة العبد المتلهف المحتاج ؛ بربه الخلاق الكريم الودود .
وبمقارنة بسيطة بين الحالين ، يظهر ذلك البون الشاسع بين التيه الذي يتخبط فيه القلب المريض بالنفاق ، وبين السلام الذي يمضي فيه القلب المشع بحلاوة الإيمان .

فزادهم الله مرضا ..
إن مسلسل الضلال والنفاق مسلسل لا نهاية له . فهو باب مفتوح لمن يطلب الاستزادة في الشبهات والتشكيك والإعراض . ووحده الإنسان المسئول الأول أمام نفسه، وأمام الله ؛ إذا ما اختار طريق النفاق وأعرض عن طريق الحق والنور !
إن طريق الضلال والنفاق لا يحمل عليه إلا من رخص في عين الله جل جلاله ! فتركه يمضي فيه بلا حمايته ولا وقايته و لا حنوه سبحانه . ومن يحفظ المؤمنين من الضلال والنفاق غير الله عز وجل ؟؟ إنه يحفظهم بمنه وإحسانه وحنانه ، ولا يرضى لهم أن يتيهوا في طريق المرض والألم ، أو أن يختلهم الشيطان في غفلة منهم فيتمكن من قلوبهم . أو أن تتقهقر عزيمتهم فيمضون في ذلك النفق الموحش !

في قلوبهم مرض ..
ومن يضمن نفسه أن يصاب بمثل هذا المرض ؟؟ من يضمن أن ينزلق في سرداب العتمة والهلاك ؟ لولا لطف الله الرحيم الخبير ! إن النفس تدعو ، والشيطان يزين ، والفتن تزداد ، والشهوة تلح ، والشبهات تشوش . لكن الله مع عباده المؤمنين لا يكلهم لهلاكهم ، ولا يسلمهم لمثل هذا المصير المخيف ، إنهم إذا ما وقعوا أقامهم بمغفرته ، وإذا ما غفلوا أيقظهم بهدايته ، وإذا ما أخطئوا أقالهم بالتوبة إليه . إنه الرحيم الودود بهم ، الذي يطهر القلوب السليمة الباحثة عن الحق ، وإن كان لها مالها في سلوك البشرية المذنب القاصر .

فزادهم الله مرضا ..
فتلك حسرة أخرى للمنافقين وزيادة في مرضهم ، إذ أنهم ينشرون شبهاتهم ، ويشككون في دين الله وفي وحيه . ويعملون ليل نهار ، وينفقون من أموالهم وأوقاتهم ويبذلون من جهدهم ، رغبة أن يضلوا المؤمنين والمؤمنات !! لكنهم بعد أن يتوقفوا ليحسبون الحسابات ثم ليقدروا النتائج ، تتجلى لهم الصدمة في أعظم صورها ، حين يكتشفون أنهم لم يضلوا إلا أنفسهم !! وأن المؤمنين يزدادون إيمانا وإعراضا وتحديا لهم ! ذلك أن الله يثبت المؤمنين ويلهمهم رشدهم ، بينما يخذل المنافقين ويتركهم يمضون في طريق النفاق والشبهات بلا رجعه !
إن ازدياد مرضهم يظهر حينما يكتشفون أن أعمالهم الخادعة ، ووسائلهم الرخيصة لم تفلح في زعزعة المؤمنين والمؤمنات عن مبادئهم وعن حبهم لدينهم وربهم . بل على العكس ، يرتد السحر على الساحر ، ويقع في الحفرة حافرها !! إذ يريد الله بالمؤمنين الخير ، فتزيدهم هذه المواقف إيمانا وتثبيتا وتثير في قلوبهم الغيرة على الله و على رسوله . ولا تنتهي مكاسب المؤمنين عند هذا الحد . بل إن تصرفات المنافقين تحيي الإيمان حتى في قلوب العصاة الذين يهبون بفطرهم النظيفة المحبة لله ولرسوله ، المثمنة لرسالة الإسلام وعظمتها وسموها . يدافعون وينافحون . ويحترقون غضبا لدينهم ووفاء لخالقهم وولي نعمتهم .

فأي فضل للمؤمنين كهذا الفضل لمحسنهم ولمسيئهم ؟ وأي مرض وحسرة وعقاب للمنافقين يوم أن رد الله كيدهم في نحورهم وجعل النتائج كيفما يريد هو سبحانه ، لا كيفما تشتهي أنفسهم العليلة المعطوبة ؟
كيف حالهم وهم يرون الجموع وهي تنتشر متمسكة بكتابها ، حافظة لدينها ، ملتزمة بمرجعيتها ، مطمئنة بإيمانها . بينما هم يمضون خائبين خاسرين يزدادون مرضا وحقدا وعزلة !!

" فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون "
ولا يشير الله عز وجل عن مصيرهم في الآخرة إلا بقوله:
(( ولهم عذاب أليم )) ،وحسبك أن تسمع من الواحد الديان القهار المتكبر الجبار . حسبك أن تسمع منه (( ولهم عذاب أليم )) حتى تطير بك المخاوف ، وترتعد منك الفرائص ، وتشرد بك الخيالات المرعبة . إنه القوي ذو البطش الشديد. ينذر هؤلاء ويتوعدهم بعذاب أليم !! وكيف هو هذا العذاب ؟؟ وما هي أدواته ؟؟ وما هي نسبته للمخلوق حين يقول عنه الخالق أنه (( عذاب أليم ))؟؟ هل هو الألم الذي نعرفه وتدركه عقولنا ؟؟ أم أنه فوق ذلك بمراحل لا نحصيها ولا نملك أن نستوعبها ؟؟
لقد تركت الآية هذه الأسئلة مفتوحة مرعبة ، تهتز لها القلوب الوجلة ، ويستعيذ منها المؤمنون المشفقون ، وتهرع بسببها الأفئدة إلى الله ، ترجوه أن يلطف بها ، وألا يعرضها لهذا النذير الحاسم . والتهديد الرهيب !!

.. ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ))
(( بما كانوا يكذبون )) هذا هو !!
هنا ترتكز مشكلة المنافقون والمنافقات ! هنا محور القضية والخلل ! وهنا يظهر السبب والنتيجة . ويتجلى النبع العفن الذي يشرب منه هؤلاء !!
إنه الكذب ! والكذب هو سيد الذنوب وزعيمها . وهو العامل المشترك لكل معصية عرفتها البشرية . لا يمكن أن تتصور معصية على وجه الأرض تخلو من الكذب . ولا يمكن أن تستمر معصية دون أن يكون الكذب الداعم الرسمي لاستمرارها .
إذن تلك هي الحرفة التي يبرع فيها المنافقون والمنافقات ، وهم من فرط كذبهم – كما نسمع ونرى اليوم– لا يسمون الكذب كذبا ؟! وإنما يحاولون أن يجملونه بالعديد من المصطلحات التي امتدت منذ نشأتهم عبر التاريخ الإسلامي وحتى عصرنا الراهن . يصنعون من خلال ذلك ؛ هالة من الجمل يسندون إليها أكاذيبهم دون حرج !
ولو كان المنافقين والمنافقات يتحلون فقط بفضيلة الصدق بين كل ما لهم من مساوئ ذكرها القرآن الكريم عنهم . لانتهت قضية النفاق منذ أن نشأت في مولدها . إذ أن خلة الصدق كانت ستدفعهم للبحث عن الحقيقة والاحتكام للقول الحق . ومناقشة المؤمنين بكلمة الصدق لا بالتحايل والتلاعب واللف والدوران !
لكنهم – ويا لندامتهم - يكذبون ! ومتى ما حاول المؤمنون أن ينقذونهم من الضياع في غيابة الجب . وعرضوا لهم الأدلة . وفندوا لهم الشبهات ،واستمالوهم للخير . وأناروا لهم الطريق . فكروا وقدروا . فقتلوا كيف قدروا ! إذ سرعان ما ينكصون إلى المجادلة والكذب! ثم يصرون على الكذب !! ثم ليوثقوا كذبهم ؛ (( يحلفون على الكذب وهم يعلمون)) !
____________________________________



عندما رأيت زهور " الدافاديل "
في منتصف يناير
ادركت انك ابتسمت
هذا الصباح !

(( يغيب عن ذاكرتي صاحبها ))
رد مع اقتباس