عرض مشاركة واحدة
  #1 (permalink)  
قديم 04-09-2010, 15:35
الصورة الرمزية الطُهر
الطُهر الطُهر غير متصل
.... نَوْرَسَة !
 
بداياتي : Jun 2008
الـ وطن : البحرين
المشاركات: 954
تقييم المستوى: 16
الطُهر is on a distinguished road
افتراضي شَمْسٌ لا تَغِيب

" تَعْوِيذَةُ البَدْء "


هِيَ نَبْضٌ مُتواضِع لامَسَ جُرحاً مِن جراحَات غزَّة , أهْدِيهِ إلَىَ أختِي صَمْت ,
ونتمنَّىَ أن تطَأ أقدامنا وإيَّاها أرض فِلسْطِين ..
آخَر جُمْعَة فِي شَهْرِ رمضَان / يوم القُدْس العَالَمِي !


مَدْخَل :
" أشْرَقَت شَمْسُ اللهِ فِي سمَاءِ غزَّة .. وانتَشَرَ الضَّوْءُ فِي أرْجَاءِ بيُوتِنَا المُهدَّمَة .. أنا لا أرَىَ الشَمْس ولكِنِّي أحِسّ بانبِعاثِ الضَوْء .. فكُلّ ما اكتَسَبْتُهُ بعدَ فُقدَانِي لِبَصَرِي هُوَ الخَيَال .. "

يُحْكَىَ أنَّ ..
ذاتَ صبَاحٍ يُشْبِه هذا الصَبَاح قَبْلَ ستِّ سنين , كُنْتُ أبْلُغُ حينهَا إحدَىَ عشَرَ ربِيعاً .. فِي مُخيَّمِ الشَاطِئِ , حيثُ الأموَاجُ والدبَّابَات ! كانَ الصِبْيَة يكْتُبُونَ شعارَات بالقُرْبِ مِن مَنْزِلِي حينمَا هَجَمَ العدُوُّ علَيْهِم , الأصْوَاتُ تَختَرِقُ مسَامِعِي , سمِعْتُ صَوْتَ هَلَعِهِم , وسَمِعْتُ صَوْتَ أحدهم يَصْرُخُ بِهِم قائِلاً : هيَّا تسَلَّقُوا الجِدَار .. ورَأيْتُهُم مِن نَافِذَةِ غُرْفَتِي وهُم يتقافَزُونَ واحِداً تِلْوَ الآخَر فِي البَاحَةِ الخارِجِيَّة مِن منزلي , خبَّأهُم والِدِي , فيمَا ذهَبَت والِدَتِي لإحضَارِ بعضٍ مِن ملابِسِي ليتنكَّرَ بِهَا أولئِكَ الصِبْيَة .. و بقِيتُ أنظُرُ إلَيْهِم بِعَيْنِ الشَفَقَة , كَيْفَ أنَّهم مُحاصَرُونَ بَيْنَ جُدْرَانِ مَنْزِلِي , والمَوْتُ ينْتَظِرُهُم بالخَارِج ..!
ارتَدَوا ملابِسِي , وحِينمَا تقدَّمُوا إلى البَابِ كانَت خفَقَاتُ قَلْبِي قد تسَارَعَت, وَرِئَتَيَّ قدِ انقَبَضَت لِفَرْطِ ما تنفَسْتُ هواءً .. حينهَا التَفَتَ أحَدُ الصِبْيَة وقَال : إنَّنِي أقتَرِح أن يتقدَّمَ أحَدٌ مِن عائِلتِكُم لتفَقُدِ الأوضَاع فِي الخارِج حتَّىَ نتمكَّن مِنَ التسَلُّلِ بعِيداً عَن أعِينَ العدوّ .. حينَهَا كانَ كُلّ شيءٍ يُحرِّضنِي على الخُرُوج .. الخَوْفُ على والِدَاي , الخَوْفُ مِنَ القَادم , و الخَوْفُ مِن الفَقْد لِذلِكَ كَانَت خطَوَاتِي تَسْبِقُنِي و أنْفاسِي تتصَاعَدُ , جَرَىَ الدَمْعُ مِن آمَاقِ عينيّ , فَتَحْتُ البَابَ حينَهَا ووَلَّيْتُ مُسْرِعَةً للخارِج .. رأيتُ القُنبلة مُسيلة الدموع تتَّجِهُ نحوي , الزَمَنُ بطِيءٌ بينَ لَحْظَةِ خُرُوجِي ولَحْظَة وُصُولِ القنبلة واستِقْرارِها فِي الجُزءِ العُلوِيّ مِن عيني اليُسرَىَ فَوْقَ الحاجِب .. فعلاً كانَ الزَمَنُ بطِيئاً قَبْلَ لَحْظَةِ " العمَىَ " ..
آخِر ما رأيتُهُ هُوَ شَمْسُ غزَّة .. وأموَاجها الثَائِرَة , أطْفَالُ الحيِّ والبيُوت المُهدَّمَة , كانَت لَحْظَةً طَوِيلَةً وأخِيرَة .. !
ومَاتَ بَصَرِي وبِمَوْتِهِ أنْقَذْتُ حياةَ سَبْعَةِ صِبْيَة ارتَدَوا ملابِسِي لِتَحْرِسَهُم مِن مَوْتٍ مَحتُوم و حَرَسْتهُم عيْنَاي وعادَت لِي ملابِسِي !
هكَذَا هِيَ الأشياء والموازِين في غزة كُلُّها مقْلُوبَة .. كُنْتُ أشعُرُ بِالمَوْتِ وأنَا أرَىَ الظَلامَ يُرخِي سدائِلهُ عَلَىَ حياتِي .. لقَد عُمِيَت عينِي اليُسْرَىَ وكذلِكَ عينِي اليمْنَىَ بَعْدَ حُدُوثِ تمزُّقٍ داخِلِيّ, سَمِعْتُ فِي ذلِكَ اليَوم صَوْتَ بُكاءِ أبِي , كانَ كلّ شيءٍ قَاسٍ كقسوَةِ الحِجارَةِ فِي أيدِينا !
وانتَهَىَ يَومِيَ الحزِين , ولكِنَّهُ بِقِيَ فِي ذَاكِرَةِ غزَّة , فِي مُخيَّمِ الشَاطِئ , فِي حيِّنا , وفي قُلُوبِ الصِبْيَةِ السَبْعَة .. لن أتمكَّن أنَا مِن نِسْيَانه , ولن تَفْقِدَ غزَّة ذَاكِرَتَها أبداً .. ولن ينْسَىَ الصِبْيَة إسمَ أمَل الّتِي حرَسَتهُم بعينيها .. !
لَم أنْتَهِ بِفُقْدَانِ عَيْناي , هكَذَا علَّمَتْنِي غزَّة .. فهِيَ تَبْنِي بيُوتها المُهدَّمَة فِي كُلّ يَوْم ..
حينَمَا فَقَدْتُ عَيْناي , كُنْتُ أشعُرُ بِالأسَىَ وشَعَرْتُ بذلِكَ لسنواتٍ طوِيلة .. ولكنَّنِي حينما رأيتُ غزَّة بِقَلْبِي .. " تكَيّفْتُ مع وضعيَّة الكفيفَة " ..
إنَّنِي أعزِفُ , وأعِدُّ برَامِجَ فِي إحدى الإذاعات , فَقَط لأنِّي أرَىَ بِقَلْبِي , كَثِيرٌ مِن النَّاس لدَيْهُم أعيُن ولكِنّ قُلُوبهُم ميِّتَة ! , إنَّنِي أرَىَ حُزْنَ غزَّة وكبْرِيَائِها , انكسارها وصُمُودِها .. إرهاقها وعظمتها .. هكَذا يجِب أن أكُون كغزَّة تماماً ..
سَأتزوَّجُ فِي الأسْبُوعِ القَادِمِ , وعلَىَ رقَبَتِي أعلِّقُ زهرَةَ البيلسَان وحَرْفَ زوجِي , ومِن قلْبِي أقلعُ معنَىَ الإنكِسَار ولَوْنَ حُزني ..


مَخْرَج :
" شَمْسُ مدِينتِي عَن قلبِي لا تغِيب ,
كَشُهدائنا لا تُغيِّبُهُم المقَابِر عن قلبِ غزّة ! "
____________________________________

نجدُ الإجابة.. حين ننسى الأسئلة*
رد مع اقتباس