عرض مشاركة واحدة
  #14 (permalink)  
قديم 12-05-2011, 00:48
البيان البيان غير متصل
السمو
 
بداياتي : May 2008
الـ وطن : نبض الحجاز
المشاركات: 193
تقييم المستوى: 0
البيان is an unknown quantity at this point
افتراضي رد: ذبابة ارتقت فصارت نحلة (1)

أنني أتساءل فقط ..

أيّ أنثى تلك التي فجرت كل هذا المخزون الثقافي ؟

أيّ أنثى تلك التي كشفت لنا هذا النسق المُضمر كما يقول التعبير الغذّامي ؟

حسناً ... كنت ـ ومازلت ـ أجهل خلق الله بالحُبّ , وإشكاليته المستمرة , وتداعياته الكثيرة , وإن كنت أعزّي نفسي أحياناً بأنه جهل لا يضر وعلم لا ينفع ! ولكن مع ذلك سأدلي بدلوي مع الدلاء على طريقة ربعنا الصحفيين كتاب الأعمدة الذين يحاضروننا معشر القرّاء المساكين كل يوم بمحاضرة جديدة في مختلف العلوم !

مررت يوما ما بذات التجربة الحزينة الحٌبّ من طرف واحد ..

" جُنّنا بليلى وهي جُنّت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها "

القصة القديمة / الجديدة .. مأساة المشاعر التي تتكرر في كل زمان ومكان !

كنتُ أحاول في تلك الأيام التعرف على أسباب أو على الأدق السبب الذي جعل تلك الفتاة تبوح لي بأجمل وأرق المشاعر في ظل غياب أو عدم وجود مشاعر مماثلة من جانبي , ولكن بلا جدوى , كان من العبث ما كان البحث عن سبب منطقي لمشاعرها الصادقة إزاء شخصي المعشوق !

من يبحث في هذا العالم الساحر / المسحور عن أسباب منطقية ؟

من يبحث في هذا العالم العاقل / المجنون عن أسباب موضوعية ؟

حقيقة الأمر اتخذت نفس قرارك ! وهو تجاهل مشاعرها , أو رميها عرض الحائط إذا أردت الدقة ...

ويا لرعونة القرار ... ويا للأنانية التي نمارسها كثيراً معشر الرجال !

والآن وبعدما وصلت إلى ما وصلت إليه من نضج , والذي أرجو أن يكون حقيقياً ! أدركت أن الذي اعتقدت أنه يوما ما كان صوت العقل , ونداء الضمير, لم يكن سوى جريمة بحق المشاعر الإنسانية !

جريمة ارتكبت باسم العقل , والضمير , والأسباب العقلانية التي نبتكرها عندما نريد الخلاص أو التخلص !

أدركت أن حجم الألم الذي تركته في أعماقها كل هذه السنوات أكبر, وأعظم من كل التبريرات السخيفة , و كل الأقوال الحكيمة التي تُنسج بكل عناية ساعة الهروب !

وأرجو أن لا تسألني كيف أدركت ذلك ؟ ولماذا جاء الإدراك متأخراً ؟ وما هي القناعات التي استندت عليها في هذا الإدراك المتأخر ؟ لأن الموضوع حقيقة يحتاج إلى المزيد من الاعترافات , والمزيد من التداعي , وبما أنني أسهبت كثيراً في الحديث عن نفسي , وأنت كما تعرف , ويعرف القارئ الكريم , والقارئة بطبيعة الحال ! أن أثقل الأحاديث على الأذن هو حديث " الأنا " . فلتسمح لي بنقل الحديث عني إلى الحديث الأهم , وهو حديث أحد المفكرين العشاق الذي يبدو أنه عانى من الحُبّ معاناة حقيقية حيث قال : " في كل قصة حُبّ نوع من الشفقة , ولكنها شفقة تختلف عن تلك الشفقة المألوفة , ووراء كل قصة حُبّ موقف يجعلنا على نحو وآخر مشدودين بخيوط سرية إلى ذلك الموقف "

بمعنى آخر أن وراء كل قصة حُبّ شعور بالشفقة من أحد الطرفين هذا الشعور لا يظهر عادة على السطح , إذ أن مصدره دائما الأعماق التي تتلاطم فيها أعنف وأغرب المشاعر الإنسانية على نحو يتعذر معه إدراكه , وأيضاً وراء كل قصة حُبّ شرارة تأخذ شكل موقف عظيم قام به أحد الطرفين , وهو في الغالب يقوم به الطرف المعشوق للطرف العاشق , وبالتالي يصبح الحُبّ رهينة لهذا الموقف , ولذلك نجد أن أغلب القصص التي ترتبط بهذا النوع من الحُبّ نجدها أسيرة لهذا الموقف مدة طويلة من العمر , إن لم يكن العمر كله .

حسناً ! هل يفسر هذا الكلام إشكالية الحُبّ من طرف واحد ؟ هل يختصر هذا الكلام كل قصص الحُبّ الأحادية , والثنائية في كل مكان وزمان ؟

الحق أقول لك لا أدرى ! , ولكن أخشى ما أخشاه أن أية محاولة للزيادة أو التفسير المستفيض ستقودنا إلى تأويلات جديدة , يضيع معها الكلام الأساسي , وبالتالي يفقد بوصلته .

وأخيراً .. دعنى أختم هذه المداخلة بالإشارة إلى أهم جزئية ارتكزت عليها حكايتك الجميلة , وبالمناسبة كل حكايات السيرة الذاتية جميلة , ورائعة , وصادقة , ومؤثرة إلى الحد الذي أجدها أفضل من كل القصص الخيالية , هذه الجزئية تتعلق بالجانب الفني في الحكاية , وهو أسلوب " الاستطراد " الذي اتكأت عليه كثيراً في السرد , والاستطراد للمعلومية فقط هو " أسلوب من أساليب التعبير , وطريقة من طرائق النقل , والتوصيل , ويعنى ذلك التنقل من موضوع إلى آخر , ومن فكرة إلى أخرى من غير رابط منطقي أو إشارة صريحة " هذا الأسلوب هو طريقة معلّمنا وأديبنا الضخم الجاحظ . وهو من الأساليب التي انتهجها الكثير من الكُتّاب في الشرق والغرب , وهو بالمناسبة من الأساليب التي تندرج عليها عبارة السهل الممتنع , وليس كل كاتب يستطيع إتقانه بكل فن وجدارة كما فعلت هنا أيها الجميل . الأمر الذي أستطيع من خلاله تهنئة " البوح " بجاحظها الجديد .
____________________________________

" أقبح الاعذار في التاريخ هي التي تُساق لتبرير موت الحُبّ "
رد مع اقتباس