ماحدث عندما تخطى جانب الجدار(قصة قصيرة)
يوم ودلدتنى أمى
اهتز شارعنا فرحةً بوجه الفرح الذى طالما انتظره أبى "الموظف الحنون محبوب الشوارع كلها"
وعندما ولدتنى أمى..لم يعد فى بيتنا مكانا يسمح بمرور قطه فى وسط الزحام.جاء كل من يعرفه أبى من جيران ومن ليسوا جيراناً. من بعرفهم أبى ومن لا يعرف
عندما ولدتنى أمى تيقن أبى حقاً بان عمله الطالح هو من جعل الله يهبنى إياه.وتيقنت أمى بمدى الهبة التى مٌنحتها
بعد فترة أصبحت مصدر ازعاج للجميع .بصوت يفوق صوت دبابات العدو القادمة حينها الى الموصل ,أوقظ الجميع من نومهم.
لكنهم برغم هذا كانوا يظهرون لى أجمل الابتسامات التى رأيتها
بدأت المنح تتوالى على أمى مساعدة فى تكاليف المولودة الجديدة .كانت دائما أمى تقول لى "أرأيتى يا وجه الخير منذولدتى ونحن لانجوع يوما من هدايا الجيران.وبدعاء دوما ما اسمعه تضيف ربنا يحميكٍ لى ويديم حالنا ميسورا"
تمر الليالى بسرعة البرق ولا يزال مكبر الصوت فى حنجرة الصغيرة يوقظ الجيران .لكنهم اعتادوا الضجيج بعد انا صارت اصوات الانفجارات شيئا عاديا
اختفت هدايا الجيران تدريجيا كلما كبرت الصغيرة .ومع وجود الحصار لم يعد هناك اى هدايا لا للصغيرة ولا للفقيرة "أم حسين جارتنا"
لديها ابن واحد اسمه حسين تربى بعد طول مشقة من فقر ويٌتم وأخيرا كبر ودخل الجيش . عندما دخل الجيش رأيته هناك يهلل ويكاد يطير فرحا"فأخيرا سيدافع عن وطنه"
لم تكتمل مدة التحاقه بالجيش شهرا واحدا حتى فزع الجميع بصراخ أمه عليه تبكى وتقول"أرسلتك لتدافع عن الوطن يابنى تأتينى تقتل عربيا أخا لك يا حسرتى ستموت لا محالة .أعيدوا لى ابنى .أعده لى يا صدام ارفق بإم فقيره"
ذهب الجميع من حولها بعد أن أنهت بكاءها .لم يٌسمع عنها خبر بعدها .ولا يعلم أحد ما أصابها
تمر الليالى التالية باردة قاسية الملامح.يشح الطعام كثيرا .لكن الرضيعة كبرت صارت فى الثالثة من عمرها تستطيع الصموت عن الزاد بالنوم حتى تنسى جوعها
يتغير حال شارعنا كثيرا بعد ذلك .كثرت صور الرئيس صدام أكثر فأكثر على الحوائط حتى أننى لم أجد مساحة صغيرة لأخربش عليها بالطبشور مع اصحابى من أبناء الجيران
تصير الليالى أبرد فأبرد كلما كبرتٌ فى السن لم يعد هناك سمر مع العائلة والجيران كما السابق .أغلق مقهى الحاج درويش بدعوى أنه ملجأ للمعارضة .واختفى بدوره عم درويش .وزادت ساعات جلوس ابى فى البيت
فى تمام اليوم الأول فى الشهر "عيد مولدى "أخيرا سأتم الرابعة .لم أحتفل به لأننا لم نجد تكاليف الاحتفال.ولا أولاد الجيران المهاجرين الى شتى البقاع هربا من شبح الجوع
آخر الليالى التى رأيت فيها أبى جاء عائدا من عمله يبدو على حال لم اره فيها من قبل"وهو الموظف الحنون الهادىء الورع الذى يضرب به المثل فى عدم تحيزه لأى فئة".دخل مهرولا المنزل صارخا بأعلى صوته يسقط القاتل يسقط سفاح العرب......... تلحق به أمى تصرخ فيه اخفض صوتك ارجوك سيسمعونك وهو يكرر بأعلى صوت ممكن
لم تمر لحظات حتى جاء رجلان ضخما الخثة أمسكاه فى برودة وذهبا.نظر لى أخيرا وقال "لاتسمعى كلام امك.لا تتطيعى كل حرف يقال لكٍ .تذكرينى دائما.وان عشت فسأذكر أن لدى اجمل طفلة فى العالم"!
|