عرفته أول مرة حين كنت ذات 13 ربيعاً أغوص في ترهات الحياة وأفواه البنات التي لا تعرفه. عرفته ربطاً لعرب الأندلس في اسمه. ربطاً لأمجادنا التي قد ولت. ربطاً لا يبكي على ماضي بل يصنع أندلس جديدة.
حين عرفته كان العالم يضج بــ ( أمنيه و عودوني ) وكان هو قد أختار وطنه ,
فرحت أبحث عن وطنه ليتنكر لي زمني ولكنني أضعت الطريق للوطن فما لبث إلا قليلاً حتى صاح فيني نهضة الغفران والتوبة للثار والثورة.
منذ يوم الثأر وأنا أحاول أن أعد شيباته في أقصى وجهه وأعلاه وكل مرةٍ أغلط في العد حين أسمعه يقول : ( إجا التاريخ وطعمانا كف )
أي ملاك يرتدي شالاً من عقد السماء اللبنانية هو. وأي صوت لايكبر, لا يكبر أبداً ففي كل عام جديد أهلع لأسطوانته ( ريتا و البندقية ) لأرى ريتا أجمل بكثير من عامها المنصرم و أراها فتاة قد صغرت على مر السنين و تزينت بشالٍ أزرق وقبعة الوطن. أراها تطوف حول الشهداء وحول المخيمات بلا سبب فقط تطوف, أجلالاً وتعظيماً تطوف ومادرت بأن مثلها يُطاف له ولا يطوف لأحد. أرى ريتا تزهو بخضرتها و بعذرية الوطن فيها, وطنها عذري ما فض بكارته أحد.
فمثل ريتا يُولد كبيرا ويبقى كذلك ولكن بحلاوة النضج الزيتوني في بحة مارسيل.
تركك درويش يا مراسيل و أنت لازلت تمارس الوطن ممارسة قوية بجواز السفر الذي تحمله. ولا زلت كل ليلة تمر على الشهداء فتقبلهم قبلة الوطن . ولازلت يا مارسيل يوسف أبوك الذي لا يمشي إلا منتصب القامة مرفوع الهامة .
تراك تحاكي درويش سراً لكي تبقى ملائكياً كما أنت حين كان هنا؟
في المرة القادمة خذني معك ع الحدود حين يوقفوك يا مراسيل أناشدك بريتا لكي أكون هويتك التي خبأتها ستك بيافا .
ولأنك معلقٌ فوق رأسي تحرسني حين أنام بذاك العطر الذي يحتضنك ويخرج منه مسك الأنغام تعلمت أن أجيء في زمن الجزر وفي عز التعب : رشاشَ عنفٍ و غضب ...!