الموعد الأول :
أقفلتُ سماعة الهاتف وفيَّ تنهيدة يكاد شوقها للخروج أن يفجرني من الداخل.
حاولت أن أكتم تنهيدتي فالباب مازال مفتوح ...
أول المكالمات دائماً لا يستطيع المرء أن يأخذ منها شيء إطلاقاً
حين هاتفني غسان اليوم كأول مكالمة بعد صراع أرقام ما استطعت أن أقنص شيء برغم مهارتي في قنص الأمور.
وحين تواعدنا عند النصف بعد الرابعة وكما أشار علينا عرابنا محمود درويش بهذا الوقت :
كنت أعد نفسي لأشياء أستطيع اقتناصها منه فشلت في معرفتها من خلال المحادثات .
و أعددت لنفسي ما استطعت من قوة ومهارة عتية على من هم حولي .
فقلت أني سأكتشف من مخارج حروفه كيف تُلفظ الأحرف. هل ينطق الكلمات كما يكتبها !
فلا تبات نشوتي به خائبة ؟
هل صوته مرتبك, حاد, رخيم, سلس أو مزعج للأذن !
مدى قدرته في النفس العميق حين يتكلم كانت ستوضح لي مدى قدرته على قبلة طويلة معي !
هل يستطيع أن يكمل جملة كاملة بدون توقف فيستطيع احتضاني دون انقطاع ؟
و قررت أن أقنص ما إذا كان يستطيع أن ينتبه لي في المكالمة أم أنه سيركز على نفسه!
كنت أستعد لأعرف كيفية وضعه وهو يتكلم : نائم , منبطح ,واقف, جالس, يمشي أو يركض !
كنت على يقين غبي بأني من أول مكالمة سأعرف ما يختزنه لي ومن أجلي
الآلة التي لطالما كنت ألقيها بعيداً عني .
وحين ظهر لي الرقم المكتنز بــ10 أرقام جمدت
لم أكن أريده أن يسمع دقات الاتصال كثيراً و يمل و يولي بعيداً عني
لم تكمل فيروز قولها : نحن و القمـــ
لكنني و أمام أول حروفه سقطت .
لم أستطع حتى رؤية نفسي و أنا أتكلم , وهل تكلمت حتى ؟
أتذكر أنني صمت مطولاً بداية وكان هو يقول :
أعلم جيداً من نفسك العالي أنك تصغين لي ؛ لكن اعتلاء ضربات نفسك و حركات قلبك أنْ فوقٌ و تحت ؛ و ارتجاف يدك وحِدة عينكِ المكتنزة بالدمع تمنعك من استنشاقي هنا .
وأنا مصغية و قلبي أشعر به يركض بقوة نحوه : أن تقوي ؛ تقوي يا فتاة فهو هنا>
رد عليّ : كان يجب من إصغائك أن تسمعي داخلي قبل نطقي
فرددت عليه : وما الإصغاء حين تتكلم .
قال لي : اصمتي شيئاً و أصغي لي من الداخل :
وصمتنا بقوووة وما كنت أسمع سوى صوته . فعلاً عندما صمت سمعت صوته وهو يقول لي
غسانك انتظر كثيراً حتى يسقط في حفرتك
كنت غبية جداً بعكس جرأتي في المحادثات .
كنت لا أعرف أن أرد جواباً , حروف اللغة كلها ضاعت مني
أتذكر أني كنت أضغط على أيقونة العقل فيّ و أقوم بالبحث عن شيء
لكنه كان يستدرك الوضع كثيراً ببعض التمتمات
ثم قال لي : يــــــــاه و صمتك يا فتاة . خوف أم حب ؟
كان جل ما أشعر به أمان بين صوته
أمان تختزن الفتيات أنفسهن من أجله
دخلت علي إحداهن الغرفة فصمت ؛ ولا أعلم كيف عرف أنني في مأزق !
لم يكن صمتي هو ما دل على ذلك فانا تقريباً طوال المكالمة صامتة
فبادر يسألني : "ما يكون محرجة حبيبي ؟ "
أجبت لا أبداً لا شيء منه يا عزيزتي
حينها ضحك ضحكة كدت أن أقع منها و ينكشف غطائي عني
ضحك ضحكة لم أكن قد حسبت لها حساب قبل المكالمة
لم يأتي في بالي أنه سيضحك !
ألانني توقعت لهذا اللقاء أن يكون مخيف و رسمي و كأنه تصدي كلاً منا للآخر
أم لأنني انشغلت بأشياء ما استطعت استخراجها منه و نسيت أنه يضحك
فعلاً الأشياء التي تقلب موزايننا لا نحسب لها حساب
ونرى أنفسنا نتهيأ لأشياء لا نشعر بها
حين ضحك دوت مني ضحكة لم أدري ما مصدرها !
كيف ضحكت بهذه النبرة المليئة بالغنج الرهيب
لم أعتد الغنج و الدلال و الدلع أبداً في كلامي ولا ضحكتي
وكان هذا واضحاً علي في أحاديثي معه في المحادثات .
كنت أتسم بالقوة و الجرأة و الرسمية وقليل جداً من الخجل الأنثوي الذي لا بد أن يطغى
ضحكت و إذا به يقول : يا بنت أنتِ تمارسين الغنج بصورة رهيبة لا أقوى عليها
احذري أن تكرري هذه الضحكة أمامي أكاد أن أرتمي على الصوفا التي أجلس عليها من هذه الضحكة
ومرة أخرى لم أجد سبيلاً للخروج من مأزق كلامه العذب سوى الضحك
ومرة أخرى هي ذات الضحكة !!
كيف للفتيات حين يهاتفن الحب أن تتغير فيهم أشيائهم الأنثوية
أو لنقل أن أشياءهم الأنثوية تنطلق لعنان السماء
صوت الأمان يجعل الفتاة تخرج كل ما لديها من أنثوية كانت قد اهترأت من الاختزان في مخزن النفايات السامة
كنت خائفة أن يغلق سماعة الهاتف فقلت له :
أبداً يا نهى هي فقط مسألة وقت
فقال : سألقاك حين أخلص نفسي من ضحكتك
توسدي قلبي حين تنامين و تلحفي جيداً
و اقرئي شيء من الآيات فيخافك شياطين الأنس و الجان
واشربي كوب الحليب الذي لا ترغبين رغماً عنك لكي تقوى عظامك حين أضمك !
فانا موليٌ شطركِ يا بنت !
طأطأتُ راسي للأرض حين كانت الفتاة خارجة من الغرفة وقلت :
ومن ثم تنهدت من شدة غبائي لأني لم أقل له بأن الفتاة قد خرجت من الغرفة .
أمسك بالهاتف الآن و أنا أنظر لمدة المكالمة و أقول في نفسي :
كم من الوقت احتجت لأكون أنثى تنظر لمدة مكالماتها وتعين الساعة تماماً
كم من الوقت انتظرت لأكون أنثى ترجع لسجل الهاتف وترى مكالمة معينة فيها وتتأمل جيداً و كأنها منظر يعلق على بوابة الجنة
هذا المنظر يشي بالكثير لنا نحن الفتيات
كم من الوقت كان علي أن أنتظر لكي أفهم ما كتبته غادة يوماً :
" صوتك أكوان فرح منسية ..
مدارات ملوّنة رسمها طفل في دفتره ونسِينا داخلها سجينين في أقمار
كيف الدخول إلى صوتك؟ كيف السبيل إلى دورتك الدموية؟
ثم أني أردت أن أخزن اسمه فرأيت الحروف مستعصيَّة جداً عليّ
رقم بعشرة أرقام يحكي قصة أول مكالمة تسقط فيها الفتيات
يتبع *